
جينك أويغور كاتب ومعلق سياسي وناشط أميركي من أصل تركي، يُعدّ من أبرز وجوه الإعلام التقدمي في الولايات المتحدة. وُلد في تركيا وانتقل إلى الولايات المتحدة في سن الثامنة، حيث نشأ وتلقى تعليمه، قبل أن يحصل على الجنسية الأميركية لاحقاً. بدأ مسيرته المهنية في مجال المحاماة، حيث عمل في واشنطن ونيويورك، لكنه ما لبث أن تحوّل إلى العمل الإعلامي والسياسي.
برز جينك أويغور بوصفه المؤسس المشارك والمقدّم الرئيسي لبرنامج The Young Turks (الشبان الأتراك)، وهو برنامج تعليق سياسي واجتماعي ليبرالي يُبث عبر الإنترنت، وقد تحوّل مع الوقت إلى شبكة إعلامية مستقلة تُعرف باسم TYT Network. أطلق البرنامج في 13 فبراير/شباط 2002 مستهدفاً جمهوراً ليبرالياً معتدلاً، فجمع بين الطابع السياسي والترفيهي، وسرعان ما أصبح أول برنامج إخباري مرئي على الإنترنت.
حقّق The Young Turks انتشاراً واسعاً، إذ حصد أكثر من مليار مشاهدة على يوتيوب، وتجاوز عدد مشتركيه المليون، ليصبح بذلك واحداً من أكبر المنصات الإخبارية الرقمية في العالم. كما بُثّ لفترة على شبكة الراديو الفضائي "سيريوس".
في مقابلة مع "العربي الجديد"، يتحدث جينك أويغور عن تغوّل المال السياسي، وتحالف واشنطن مع إسرائيل، وحرية التعبير.
عملك في "ذا يونغ تركس" مذهل بالفعل. أعتقد أن لك جمهورًا واسعًا في العالم العربي، هل لاحظت ذلك؟
لاحظت ذلك قليلًا، نعم. نحن محظوظون بجمهور واسع حول العالم. أتمنى لو أن الجميع في الشرق الأوسط يشاهدوننا، لأننا نمثل صوتًا في الولايات المتحدة يعكس وجهة نظر المسلمين - وهو أمر نادر جدًّا في الإعلام الأميركي.
هل تعتقد أن هذا بسبب ما يحدث في المنطقة، أم حتى من قبل ذلك؟
لا، نحن نقول الحقيقة منذ اليوم الأول، وتعرضنا لمعارضة من بقية الإعلام الأميركي منذ البداية. كنا من بين برنامجين فقط على المستوى الوطني عارضا دخول العراق. نحن أقدم برنامج في تاريخ الإنترنت. كنا موجودين قبل حرب العراق، وكنا نصرخ: "لا تدخلوا، لا تدخلوا!". لذلك، من المحبط جدًّا أن تقول الحقيقة في الإعلام الأميركي، فيُحسب ذلك ضدك. لأننا عندما قلنا "لا تدخلوا العراق"، ظنوا أننا راديكاليون. الآن، الجميع يدرك أننا كنا على حق. لكن رغم ذلك، عندما تظهر قضية جديدة ونقول: "لا تهاجموا إيران"، يقال عنا إننا مجانين. بالطبع يجب أن نهاجم إيران، إسرائيل أمرتنا بذلك. أعني، لم تأمرنا، بل طلبت منا بلطف أن نهاجم إيران. لذا، من الواضح أننا يجب أن نفعل ذلك من أجل "حليفتنا المميزة". ثم أطرح أسئلة تُعتبر مثيرة للجدل في أميركا، لكنها في الواقع بسيطة جدًّا. مثل: لماذا إسرائيل هي حليفتنا المميزة؟ ماذا قدمت لنا إسرائيل؟ لقد أخذت 300 مليار دولار من أميركا. على ماذا حصلنا مقابل ذلك؟ لماذا نهاجم كل أعداء إسرائيل؟ لماذا نستخدم الجنود الأميركيين وأموال الأميركيين لمهاجمة أعداء إسرائيل، وليس أعداءنا نحن؟
هل تعتقد أن الإدارة الجديدة قد تنظر إلى ذلك بوصفه عبئًا الآن؟
أعتقد أن (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو، للمرة الأولى، فَقَد زمام اللعبة. لسوء الحظ، نتنياهو، على الرغم من شرّه، بارع جدًّا في السياسة. إذا نظرت إلى القائمة الأصلية للمحافظين الجدد الذين دفعوا أميركا نحو الحرب في العراق، فستجد اسم نتنياهو عليها. لقد كان جزءًا كبيرًا من السبب وراء دخولنا العراق. وإذا عدت إلى أرشيف صحيفة نيويورك تايمز، فستجد مقالات تقول إن العراق لم يكن عدوًّا حقيقيًّا لأميركا، لكنه كان العدو الأول لإسرائيل. مع ترامب، ربما وجد من يماثله. لأن ترامب ماكر بقدر ما هو نتنياهو، وأناني بالقدر نفسه.
وماذا عن حرية التعبير؟ هل تعتقد أن الأقنعة سقطت الآن؟
لا أعلم إن كانت الأقنعة قد سقطت، أو...
أعني لعبة المعايير المزدوجة هذه...
نعم. لا، لا. حرية التعبير في الولايات المتحدة كانت دائمًا مشروطة. لديك حرية التعبير، لكن لا يُسمح لك بانتقاد السياسيين، أولًا وقبل كلّ شيء. وهذا أمر كبير. جميعهم يأخذون المال من المتبرعين، للأسف. أنا أحب أميركا، لكنها أصبحت أكثر الدول فسادًا في العالم، لأننا قمنا بتقنين الرشوة. يمكنك ببساطة إعطاء المال للسياسيين. يمكنك منحه لحملاتهم. لم يتبقَّ أي قوانين بعد الآن. لذا، الجميع يرشو السياسيين الأميركيين لأن ذلك أصبح قانونيًّا. وحتى اليوم، لا يمكنك قول ذلك في الإعلام الأميركي السائد. إذا قلت ذلك، يتم إلغاؤك، أعلم ذلك من تجربتي. كنت مقدم برامج على قناة MSNBC، إحدى أكبر شبكات الأخبار في البلاد، وكنت أقول إنّ السياسيين فاسدون، وكانوا يكرهون ذلك.
هذا نوع من الرقابة الذاتية...
بالضبط. وعلى صعيد إسرائيل، بالطبع، لا يُسمح لك تقريبًا بقول أي شيء. ولهذا يصورونني شخصًا متطرفًا فقط لأنني أقول أكثر الأمور بديهية - التي يعتقد بها معظم الأميركيين اليوم أيضًا - وهي: لقد أعطيناهم 300 مليار دولار، فماذا كانت النتيجة؟ عالم مليء بالأعداء. لم يعطونا شيئًا. مع حلفاء كهؤلاء، لا تحتاج إلى أعداء. إسرائيل تخلق لنا أعداء بلا نهاية، وتطالبنا بأموال لا نهاية لها. وعندما تسأل السؤال البسيط: لماذا؟ لماذا نعطيهم كل هذا المال؟ لماذا علينا أن نفعل ما يطلبونه بينما نحن من يدفع لهم، وليس العكس؟
ومع وجود متطرفين في السلطة حاليًّا، هل تعتقد أن الأمر مجرد مسألة جيوسياسية، أم أن هناك جوانب أخرى؟
لا أعلم ما هي الجوانب الأخرى. الناس يريدون السلطة دائمًا. إسرائيل تريد السلطة، والسياسيون الأميركيون يريدون السلطة، والشركات الأميركية تريد السلطة - وغالبًا ما يتنافسون في ما بينهم. لكن إسرائيل قامت بشيء ذكي. لقد ربطت مصالح المجمع الصناعي العسكري - أي شركات الدفاع الأميركية - بمصالحها الخاصة. إسرائيل تأخذ المال من دافعي الضرائب الأميركيين، ثم تمنحه لشركات مثل "بوينغ" و"لوكهيد مارتن" و"رايثيون" وغيرها من شركات الدفاع. وهؤلاء سعداء جدًّا. لذلك، يرشون السياسيين ليكونوا مؤيدين لإسرائيل، لأن المال في النهاية يصل إليهم. وعندما تدفع إسرائيل أميركا إلى بدء حرب في الشرق الأوسط، ترتفع أسعار النفط. فتصبح شركات النفط سعيدة جدًّا. ثم يضارب المصرفيون على ذلك - فيصبحون سعداء جدًّا. لذا، عندما تكون شركات النفط، والبنوك، وشركات السلاح، وإسرائيل في صف واحد - فأنت في ورطة. في الولايات المتحدة، هذا يعني أموالًا طائلة - كلها تصب في الحروب في الشرق الأوسط وضد العدالة، وغيرها. لكن في الوقت الحالي، بدأ هذا التماسك بالانهيار. إنهم يفقدون قبضتهم. الآن، العديد من البرامج اليسارية واليمينية والمستقلة على الإنترنت تقول: لا، لم نعد نصدق الكاذبين.
أنت تُقدّم عرضًا رقميًّا. هل تعتقد أن الإعلام الرقمي يمكن أن يساهم في تصحيح هذا الفهم الخاطئ؟
الإعلام الرقمي لديه مشكلاته الخاصة. لكن الشيء الرائع فيه هو أننا لم نعد سجناء الإعلام السائد. سجن CNN، ونيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وMSNBC، وفوكس نيوز - كلهم يكذبون مرة بعد مرة. إسرائيل دائمًا على حق. إسرائيل ضحية. إسرائيل ملاك. أما الفلسطينيون، والمسلمون، وسكان الشرق الأوسط، فهم دائمًا "إرهابيون". دائمًا "همج". دائمًا "يريدون العنف". لقد سئمت من عنصريتهم. وهم يتظاهرون بأنهم ليسوا عنصريين، بينما هم في الواقع عنصريون بشدة ضد المسلمين. صحيح. أنا أدينهم جميعًا. وعندما أفعل ذلك، يزداد عدد مشاهدينا، لا ينقص. ولهذا السبب يكرهون الإعلام الرقمي. هل تعلم لماذا يحاولون حظر منصة تيك توك؟ ليس بسبب الصين، بل لأن ميت رومني، السيناتور الجمهوري، ومارك وارنر، السيناتور الديمقراطي، يريدان السيطرة عليها.
نعم، لقد صرّحا بذلك علنًا. قال رومني: "كانت إسرائيل بارعة في السيطرة على الرسالة الإعلامية". ثم أضاف: "لكنها لم تعد كذلك". ولذا فهم يريدون أن نحظر "تيك توك". قالها صراحة: "لأن الناس يرون جثث الأطفال الفلسطينيين، وهذا يجعلهم يشعرون بعدم الارتياح". فقالت إسرائيل: "احظروهم. لا تسمحوا لأحد برؤية الحقيقة حول ما نقوم به". وهناك نقطة أخرى بخصوص الرؤية المتفائلة: لو أن ترامب فرض حل الدولتين، وبحلول نهاية ولايته كان هناك فلسطين مستقلة وإسرائيل مستقلة، وأُعيد إعمار غزة - لحصل على جائزة نوبل للسلام، ولبُنيت له تماثيل في جميع أنحاء الشرق الأوسط. هو لا يدرك ذلك، لأن جميع من حوله تقريبًا فاسدون. لو أنّ صوتًا صادقًا واحدًا قال له: "أتعلم؟ ستكون أعظم بطل في العالم إن منحت الفلسطينيين دولة، وجلبت السلام للطرفين، وحققت السلام في الشرق الأوسط كله. ستكون بطلًا تاريخيًّا". ولو فهم ذلك، فسيحاول فعليًّا تحقيقه، لأنه يعشق تضخيم ذاته. وهذه طريقة جيدة لإرضاء غروره - عندما يكون ذلك مستحقًّا. وإن جلب السلام للشرق الأوسط، فسيكون قد استحقه فعلًا.
ما رسالتك لكل الأصوات المستقلة في العالم؟
هناك جزآن. الجزء الأول: دائمًا قل الحقيقة. لا تكذب، حتى لو كان ذلك لصالح فريقك. لا تفعل ذلك. ستخسر الثقة. لا تخسر الثقة. دائمًا التزم بالحقيقة - مهما كانت النتيجة. القاعدة الثانية: ابقَ قويًّا. ستكون الأمور صعبة. لكن إن واصلت قول الحقيقة، فستنتصر في النهاية.

Related News
