
ليلة غير معهودة مرّت على إسرائيل بينما لا تزال الأخيرة تحاول تلقّف صدمتها منذ انبلاج فجر الأحد، إثر موجات صاروخية أطلقتها عليها إيران رداً على حرب فتحتها تل أبيب بهدف القضاء على المشروع النووي، الذي كانت صاحبتُه، طهران، في صلب محادثات حوله مع الولايات المتحدة الأميركية.
في إسرائيل ستؤرّخ هذه الليلة، ليس لما شهدته مناطق عدّة من دمار مهول خلّفته الصواريخ الإيرانية فحسب، وإنما لأنه استُهدف خلالها أيضاً واحد من الصروح العلمية الإسرائيلية الرائدة: معهد وايزمان. فما الذي نعرفه عن هذا المعهد؟
من معهد زيف إلى وايزمان
في سنواته الأولى، تركّزت أبحاث المعهد على الاحتياجات الفورية لـ"اليشوف اليهودي" (المستوطنة الزراعية)، ولذلك تمحور عمله في الأبحاث المتعلقة بالزراعة والنبات، والاستخدامات الجديدة للنباتات المحلية. غالبية الأبحاث التي أجراها المعهد في سنواته الأولى كانت بالشراكة مع محطة التجارب الزراعية، التابعة للوكالة اليهودية، وعلى مرّ السنين اتّسعت أعمال المعهد لمجالات بحثة أخرى.
في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1949 تحوّل المعهد رسمياً من إسم معهد زيف إلى "معهد وايزمن للعلوم"، بموافقة واعتراف عائلة زيف. وفي اليوم ذاته افتتح المبنى الأوّل في المعهد، الذي يُعرف اليوم باسم مبنى زيسكيند. أمّا المبنى الذي كان في معهد زيف برئاسة برغمان، فتحوّل إلى واحد من خمسة أقسام للمعهد الجديد.
عُرضت مناصب رؤساء الأقسام الأخرى في المعهد الجديد على علماء مرموقين من جميع أنحاء العالم، لكن واحداً منهم فقط، وهو حاييم ليب بيكريس، قِبِل المنصب وهاجر إلى تل أبيب، وكان وراء تأسيس جهاز WEIZAC-Weizmann Automatic Calculator ، الذي كان أول حاسوب إلكتروني يعمل في إسرائيل.
ترأس الأقسام الأخرى في المعهد علماء تلقوا تعليمهم في إسرائيل بينهم يسرائيل دوستروفسكي رئيس قسم النظائر، وأهارون كاتسير رئيس قسم البوليمرات، وإفرايم كاتسير (رابع رئيس إسرائيلي لاحقاً) رئيس قسم الفيزياء الحيوية. وأصبح مائير فايسجيل، الناشط الصهيوني والذراع اليمنى لوايزمان والمنتج الهوليوودي السابق مديراً للمعهد، وفي وقت لاحق حُدد دوره رئيساً لمجلس أمناء المعهد.
في عام 1958، رُكّب في المعهد أوّل مسرّع جسيمات من نوع فان دي غراف، وفي العام 1965 رُكّب مُسرّع فان دي غراف ترادفي أكثر تطوراً. وبين أعوام 1976 حتى عام 2010، عمل مسرّع الجسيمات كولبر في المعهد ليصبح فيما بعد برجاً ومعلماً معمارياً بارزاً، لتصنفه سلطة الحفاظ على المواقع التراثية في إسرائيل فيما بعد موقعاً تراثياً.
مبنى المعهد وميزانيّته
يضم معهد وايزمان خمس كليات: البيولوجيا، والبيوكيمياء، والكيمياء، والفيزياء، والرياضيات، وعلوم الحاسوب. تمتد هذه الكليات على 17 قسماً علمياً إضافة إلى وحدة العلوم الأثرية. يُضاف إليها مدرسة البحوث (في السابق مدراشية فاينبرغ)، التي تُعد الهيئة الأكاديمية التي تمنح طلبة المعهد درجات الماجستير والدكتوراه.
أمّا بالنسبة إلى ميزانية تشغيله السنوية فقد بلغت في سنوات 2022-2023 نحو 2.1 مليار شيكل. وتتوزع مصادرها على: 43% من مكافآت ومنح تسويق المعرفة، 25% من ميزانية الدولة، 19% من المنح العلمية والبحثية، 12% تبرعات، 1% من مصادر مختلفة غير محددة.
يعهد المعهد مهمة تسويق المعرفة المنتجة فيه إلى شركة "ييدع"، وهي شركة خاصة تابعة له، تُروّج للتطبيقات الصناعية القائمة على اختراعات علمائه، تأسست الشركة عام 1959، وشاركت مذّاك في تسجيل ما يقارب 1400 عائلة براءة اختراع. منذ عام 1973 وقّعت "ييدع" 179 اتفاقية مع شركات إسرائيلية لاستغلال براءات الاختراع المختلفة، وأنشأت 42 شركة (21 منها تأسست منذ عام 2000 فصاعداً)، واعتباراً من عام 2017، بلغت قيمة محفظة استثمارات المعهد حوالى 9.5 مليارات شيكل.
بالإضافة إلى حرم المعهد، الذي يمتد على مساحة أكثر من ألف دونم، يمتلك الأخير أكثر من 100 شقة في رحوفوت تُستخدم سكناً للعلماء والطلاب. أمّا كلية الدراسات العليا في المعهد فهي كلية الأبحاث (المعروفة سابقاً باسم كلية فاينبرغ)، وفيها يُجري الطلاب أبحاثهم في أقسام المعهد المختلفة. إذ تخرّج آلاف الطلبة في الدرجات المختلفة، ليُشكل الإسرائيليون من خريجيه نسبة 81%، فيما الطلبة الدوليون 19%.
دور المعهد في الصناعات الأمنية والعسكرية
إضافة إلى ما تقدّم يستضيف المعهد برنامج "كاتزير" للزمالات، الذي يهدف إلى جذب علماء رائدين للعمل في مجال البحث والتطوير الأمني، في برنامج مموّل من وزارة الأمن الإسرائيلية، ويُعد أحد أهم البرامج لتأهيل الجيل القادم من قادة القطاع الأمني التكنولوجي.
إنجازات المعهد
- بناء حاسوب "فايتسك" الذي بدأ العمل به رسمياً عام 1955، لتليه بعد ذلك ثلاثة حواسيب "غوليم".
- في إبريل/نيسان 2004، انتهى المشروع الذي طوّر فيه أول حاسوب بيولوجي في العالم على يد البروفيسور إيهود شابيرا .
- يعد المعهد رائداً في علم التعمية أو أنظمة التشفير وفكّ التشفير التي طورها علماء المعهد في إسرائيل، وتستخدم في مجالات عدّة بينها في تشفير وفك تشفير البث.
- في عام 1983، طوّر عالم الفيزياء الفلكية مردخاي ميلغروم نظرية ديناميكيات نيوتن المعدّلة (MOND)، وهي البديل الأقوى لنظريات المادة المظلمة. وقد حققت هذه النظرية نجاحاً تجريبياً باهراً في تفسير منحنيات دوران المجرات.
- تطوير أنظمة الليزر المتقدمة لقطع الماس على نحوٍ دقيق وحساس.
- في عام 2022، أطلق أول حاسوب كمي في إسرائيل، الذي أُطلق عليه اسم "WeizQC" وهو ثمرة عمل البروفيسور روي أوزيري.
- كروماتوغرافيا التقارب – طريقة لفصل المواد البيولوجية، التي تعمل أداةً مركزيةً في صناعة التكنولوجيا الحيوية.
- البوليمرات الحية – التقنية التي تشكل أساس صناعة البوليمرات.
- قاد اكتشاف بنية الريبوسوم والبحث وفهم مبادئ نشاطه إلى حصول البروفيسورة آدا يوناث من المعهد على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2009.
- تُستخدم العديد من الأدوية التي طورها المعهد في دول حول العالم. ومن أكثر الأدوية مبيعاً، بناءً على أبحاث المعهد، هي: كوباكسون، وريبيف (يُسمى أيضاً إيفينكس)، وهوميرا، وإربيتوكس، وفيكتيبيكس، وإنبريل، وريميكاد.
- التوصل إلى طريقة مبتكرة لزراعة نخاع العظم من متبرع غير متوافق، يجري تطبيقها في العديد من المستشفيات في إسرائيل والخارج، بالإضافة إلى طريقة متقدمة غير جراحية للتمييز بين الأورام السرطانية والحميدة، باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي.
في العموم حصد علماء المعهد من المجالات المختلفة مئات الجوائز بين عالمية ومحلية، تبقى أهمها:
- عام 2009 فازت البروفيسورة آدا يوناث من المعهد بجائزة نوبل في الكيمياء.
- وفي عام 2013 اختير أرييه وارشيل ومايكل ليفيت، العالمَان في المعهد، كاثنين من الفائزين الثلاثة بجائزة نوبل للكيمياء.
- جائزة تورينغ - فاز ثلاثة من الباحثين في المعهد بجائزة تورينغ، وهي أهم جائزة دولية للباحثين في علوم الكمبيوتر: أمير بانويلي (في عام 1996)، وآدي شامير (في عام 2002)، وشفي غولدفاسر (في عام 2012).
