معهد وايزمان.. "عقل إسرائيل" في مرمى صواريخ إيران
Arab
8 hours ago
share

ليلة غير معهودة مرّت على إسرائيل بينما لا تزال الأخيرة تحاول تلقّف صدمتها منذ انبلاج فجر الأحد، إثر موجات صاروخية أطلقتها عليها إيران رداً على حرب فتحتها تل أبيب بهدف القضاء على المشروع النووي، الذي كانت صاحبتُه، طهران، في صلب محادثات حوله مع الولايات المتحدة الأميركية.
في إسرائيل ستؤرّخ هذه الليلة، ليس لما شهدته مناطق عدّة من دمار مهول خلّفته الصواريخ الإيرانية فحسب، وإنما لأنه استُهدف خلالها أيضاً واحد من الصروح العلمية الإسرائيلية الرائدة: معهد وايزمان. فما الذي نعرفه عن هذا المعهد؟


من معهد زيف إلى وايزمان

ينشغل معهد وايزمان للعلوم، ومقرّه مستعمرة رحوفوت، في مجالات العلوم الطبيعية والرياضيات، ويُعد المؤسّسة الثالثة للتعليم العالي التي أقيمت في إسرائيل بعد التخنيون في حيفا، والجامعة العبرية في القدس. مع تأسيسه في العام 1934 سمي المعهد باسم دانيال زيف وعرف باسم "معهد زيف"، أسسه في الواقع الدكتور والعالم الكيميائي، حاييم وايزمان، الذي ترأس الحركة الصهيونية على مدى ثلاثة عقود.
في سنواته الأولى، تركّزت أبحاث المعهد على الاحتياجات الفورية لـ"اليشوف اليهودي" (المستوطنة الزراعية)، ولذلك تمحور عمله في الأبحاث المتعلقة بالزراعة والنبات، والاستخدامات الجديدة للنباتات المحلية. غالبية الأبحاث التي أجراها المعهد في سنواته الأولى كانت بالشراكة مع محطة التجارب الزراعية، التابعة للوكالة اليهودية، وعلى مرّ السنين اتّسعت أعمال المعهد لمجالات بحثة أخرى.
أمّا تمويل المعهد فكان مصدره أصدقاء وايزمان، اللورد يسرائيل موشيه زيف، وريفكا زيف، وهم بين مُلاك شبكة متاجر "ماركز آند سبنسر"، ولذلك سميّ المعهد بداية على إسم نجلهم الذي توفي بعمر صغير.
أقيم المعهد في مستعمرة رحوفوت، وتحديداً بجانب محطة التجارب الزراعية التابعة للوكالة اليهودية التي أدارها ووقف على رأسها يتسحاق إليعزر فيلكنسي، ورحوفوت عموماً أمتدت على أراضٍ وقرى فلسطينية مُهجّرة أهمها الزرنوق، أمّا المدير العلمي الأول للمعهد فكان الدكتور آرنست دافيد برغمان، الذي عمل مع وايزمان في إنكلترا. 
لعب وايزمان دوراً كبيراً في تشغيل 11 عالماً وعالمة من مركز أوروبا الذين لم ينجحوا في إيجاد عمل لهم في المؤسّسات البحثية بعد صعود النازيين إلى الحكم في ألمانيا، كما جنّد مع شركاءه الأموال والعتاد المطلوب لتشغيل أعمال المعهد. 
وفي يوم ميلاد وايزمن الـ70 عام 1944 أقام زملاء الأخير، وغالبيتهم ناشطون صهاينة من الولايات المتحدة وعلى رأسهم مائير وايسغل، "اللجنةَ الأميركية من أجل معهد وايزمن" التي جنّدت الأموال التي أسهمت بشكل كبير في توسيع المعهد وأعماله. وفي الثالث من يونيو/حزيران 1946، وضع وايزمان الحجر الداخلية للمعهد الجديد، وبدأت مذّاك أعمال البناء والتوسيع، فيما تولى المهندسون أريه ألحناني، ويسرائيل ديكر، وأريئيل شلير هندسة أبنيته.
خلال النكبة الفلسطينية عام 1948، عملت في المعهد وحدة "سلاح العلوم" (أو الشعبة العلمية) لمنظمة "الهغاناه"، التي تُعد النواة الأساسية لما بات يُعرف اليوم بالصناعات التكنولوجية العسكرية الإسرائيلية. غالبية رؤساء هذه الوحدة، وبينهم الإخوة أفرايم وبروفيسور الكيمياء الفيزيائية أهرون كاتسير (قتل على يد فدائيين بعملية بمطار اللد)، والبروفيسور في الكيمياء الفيزيائية (المدير التنفيذي للجنة الطاقة الذرية) يسرائيل دوستروفسيكي، وعاموس دا شاليط، أصبحوا في وقتٍ لاحق علماء رائدين في معهد وايزمان.

في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1949 تحوّل المعهد رسمياً من إسم معهد زيف إلى "معهد وايزمن للعلوم"، بموافقة واعتراف عائلة زيف. وفي اليوم ذاته افتتح المبنى الأوّل في المعهد، الذي يُعرف اليوم باسم مبنى زيسكيند. أمّا المبنى الذي كان في معهد زيف برئاسة برغمان، فتحوّل إلى واحد من خمسة أقسام للمعهد الجديد.

عُرضت مناصب رؤساء الأقسام الأخرى في المعهد الجديد على علماء مرموقين من جميع أنحاء العالم، لكن واحداً منهم فقط، وهو حاييم ليب بيكريس، قِبِل المنصب وهاجر إلى تل أبيب، وكان وراء تأسيس جهاز WEIZAC-Weizmann Automatic Calculator ، الذي كان أول حاسوب إلكتروني يعمل في إسرائيل.

ترأس الأقسام الأخرى في المعهد علماء تلقوا تعليمهم في إسرائيل بينهم يسرائيل دوستروفسكي رئيس قسم النظائر، وأهارون كاتسير رئيس قسم البوليمرات، وإفرايم كاتسير (رابع رئيس إسرائيلي لاحقاً) رئيس قسم الفيزياء الحيوية. وأصبح مائير فايسجيل، الناشط الصهيوني والذراع اليمنى لوايزمان والمنتج الهوليوودي السابق مديراً للمعهد، وفي وقت لاحق حُدد دوره رئيساً لمجلس أمناء المعهد.

في عام 1958، رُكّب في المعهد أوّل مسرّع جسيمات من نوع فان دي غراف، وفي العام 1965 رُكّب مُسرّع فان دي غراف ترادفي أكثر تطوراً. وبين أعوام 1976 حتى عام 2010، عمل مسرّع الجسيمات كولبر في المعهد ليصبح فيما بعد برجاً ومعلماً معمارياً بارزاً، لتصنفه سلطة الحفاظ على المواقع التراثية في إسرائيل فيما بعد موقعاً تراثياً.

 
مبنى المعهد وميزانيّته

يضم معهد وايزمان خمس كليات: البيولوجيا، والبيوكيمياء، والكيمياء، والفيزياء، والرياضيات، وعلوم الحاسوب. تمتد هذه الكليات على 17 قسماً علمياً إضافة إلى وحدة العلوم الأثرية. يُضاف إليها مدرسة البحوث (في السابق مدراشية فاينبرغ)، التي تُعد الهيئة الأكاديمية التي تمنح طلبة المعهد درجات الماجستير والدكتوراه. 

أمّا بالنسبة إلى ميزانية تشغيله السنوية فقد بلغت في سنوات 2022-2023 نحو 2.1 مليار شيكل. وتتوزع مصادرها على: 43% من مكافآت ومنح تسويق المعرفة، 25% من ميزانية الدولة، 19% من المنح العلمية والبحثية، 12% تبرعات، 1% من مصادر مختلفة غير محددة.

يعهد المعهد مهمة تسويق المعرفة المنتجة فيه إلى شركة "ييدع"، وهي شركة خاصة تابعة له، تُروّج للتطبيقات الصناعية القائمة على اختراعات علمائه، تأسست الشركة عام 1959، وشاركت مذّاك في تسجيل ما يقارب 1400 عائلة براءة اختراع. منذ عام 1973 وقّعت "ييدع" 179 اتفاقية مع شركات إسرائيلية لاستغلال براءات الاختراع المختلفة، وأنشأت 42 شركة (21 منها تأسست منذ عام 2000 فصاعداً)، واعتباراً من عام 2017، بلغت قيمة محفظة استثمارات المعهد حوالى 9.5 مليارات شيكل.

بالإضافة إلى حرم المعهد، الذي يمتد على مساحة أكثر من ألف دونم، يمتلك الأخير أكثر من 100 شقة في رحوفوت تُستخدم سكناً للعلماء والطلاب. أمّا كلية الدراسات العليا في المعهد فهي كلية الأبحاث (المعروفة سابقاً باسم كلية فاينبرغ)، وفيها يُجري الطلاب أبحاثهم في أقسام المعهد المختلفة. إذ تخرّج آلاف الطلبة في الدرجات المختلفة، ليُشكل الإسرائيليون من خريجيه نسبة 81%، فيما الطلبة الدوليون 19%.

دور المعهد في الصناعات الأمنية والعسكرية

يتعاون المعهد مع الشركات الأمنية والدفاعية الإسرائيلية، إذ أبرم شراكة مع "إلبيت سيستيمز" لتطوير مواد مستوحاة من الطبيعة لتطبيقات دفاعية. وبحسب موقع "إسرائيل ديفينس" يُشارك المعهد في مشروع وطني لتطوير تقنيات الحوسبة الكمومية، بالتعاون مع شركات "إلتا سيستيمز"، "ورافائيل".
إضافة إلى ما تقدّم يستضيف المعهد برنامج "كاتزير" للزمالات، الذي يهدف إلى جذب علماء رائدين للعمل في مجال البحث والتطوير الأمني، في برنامج مموّل من وزارة الأمن الإسرائيلية، ويُعد أحد أهم البرامج لتأهيل الجيل القادم من قادة القطاع الأمني التكنولوجي.
خلال فترة تأسيس إسرائيل، تركزت أبحاث المعهد على القدرات النووية؛ إذ أجرى دراسات على عيّنات من صخور النقب التي احتوت على كميات من اليورانيوم، وأسهمت هذه الأبحاث في تأسيس البنية التحتية للبرنامج النووي الإسرائيلي.
من خلال شركة "ييدع" يُرخص المعهد براءات الاختراع والتقنيات المبتكرة التي طوّرت داخله، وتشمل مجالات عديدة أهمّها الذكاء الاصطناعي المستخدم في التطبيقات العسكرية إلى جانب الأبحاث والتطبيقات المتعلقة بـ: أنظمة الرصد والمراقبة، وتحليل البيانات الاستخباراتية الضخمة، وتوجيه الطائرات بدون طيار، وتطوير أسلحة ذاتية التحكم أو شبه ذاتية، وتحسين أجهزة التوجيه والتعقّب الدقيقة، وتطوير تقنيات التشويش وتقنيات الحماية الإلكترونية المتقدمة، وتقديم بحوث تتعلق بتقنيات نووية أو طاقة موجهة، وحماية الشيفرات العسكرية، وإنتاج علاجات طبية للجنود في ميادين الحرب، ودعم أنظمة الأقمار الاصطناعية العسكرية، وتطوير نظم ملاحة دقيقة بديلة لـ GPS، وتوفير الاتصال المشفّر في البيئات المعادية.

إنجازات المعهد

على مرّ السنين، تحققت اكتشافات رائدة خلال الأبحاث التي أُجريت في المعهد، وهو ما أفضى إلى تطوير مجموعة متنوعة من التقنيات والتطبيقات، التي حَصّل المعهد على إثرها عائدات من براءات الاختراع والتطبيقات المُطورة في إطاره من خلال "ييدع للأبحاث والتطوير"، التي تُدير حقوق الملكية الفكرية للمعهد.
منذ تأسيسه وصولاً لعام 2024، تأسست ما يقارب 120 شركة ناشئة تعتمد على أبحاثه وتقنياته، وفي عام 2022، تجاوزت قيمة المنتجات القائمة على أبحاثه في مجالات الرياضيات وعلوم الحاسوب التي بيعت عالمياً 23 مليار دولار أمريكي.
إنجازات الرياضيات وعلوم الحاسوب:
-    بناء حاسوب "فايتسك" الذي بدأ العمل به رسمياً عام 1955، لتليه بعد ذلك ثلاثة حواسيب "غوليم".
-    في إبريل/نيسان 2004، انتهى المشروع الذي طوّر فيه أول حاسوب بيولوجي في العالم على يد البروفيسور إيهود شابيرا .
-    يعد المعهد رائداً في علم التعمية أو أنظمة التشفير وفكّ التشفير التي طورها علماء المعهد في إسرائيل، وتستخدم في مجالات عدّة بينها في تشفير وفك تشفير البث.
تطبيقات بارزة في الفيزياء:
-    في عام 1983، طوّر عالم الفيزياء الفلكية مردخاي ميلغروم نظرية ديناميكيات نيوتن المعدّلة (MOND)، وهي البديل الأقوى لنظريات المادة المظلمة. وقد حققت هذه النظرية نجاحاً تجريبياً باهراً في تفسير منحنيات دوران المجرات.
-    تطوير أنظمة الليزر المتقدمة لقطع الماس على نحوٍ دقيق وحساس.
-    في عام 2022، أطلق أول حاسوب كمي في إسرائيل، الذي أُطلق عليه اسم "WeizQC" وهو ثمرة عمل البروفيسور روي أوزيري.
تطبيقات بارزة في مجال الطب:
-    كروماتوغرافيا التقارب – طريقة لفصل المواد البيولوجية، التي تعمل أداةً مركزيةً في صناعة التكنولوجيا الحيوية.
-    البوليمرات الحية – التقنية التي تشكل أساس صناعة البوليمرات.
-    قاد اكتشاف بنية الريبوسوم والبحث وفهم مبادئ نشاطه إلى حصول البروفيسورة آدا يوناث من المعهد على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2009.
-    تُستخدم العديد من الأدوية التي طورها المعهد في دول حول العالم. ومن أكثر الأدوية مبيعاً، بناءً على أبحاث المعهد، هي: كوباكسون، وريبيف (يُسمى أيضاً إيفينكس)، وهوميرا، وإربيتوكس، وفيكتيبيكس، وإنبريل، وريميكاد.
-    التوصل إلى طريقة مبتكرة لزراعة نخاع العظم من متبرع غير متوافق، يجري تطبيقها في العديد من المستشفيات في إسرائيل والخارج، بالإضافة إلى طريقة متقدمة غير جراحية للتمييز بين الأورام السرطانية والحميدة، باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي.
أهم الجوائز الدولية:
في العموم حصد علماء المعهد من المجالات المختلفة مئات الجوائز بين عالمية ومحلية، تبقى أهمها:
-    عام 2009 فازت البروفيسورة آدا يوناث من المعهد بجائزة نوبل في الكيمياء.
-     وفي عام 2013 اختير أرييه وارشيل ومايكل ليفيت، العالمَان في المعهد، كاثنين من الفائزين الثلاثة بجائزة نوبل للكيمياء.
-    جائزة تورينغ - فاز ثلاثة من الباحثين في المعهد بجائزة تورينغ، وهي أهم جائزة دولية للباحثين في علوم الكمبيوتر: أمير بانويلي (في عام 1996)، وآدي شامير (في عام 2002)، وشفي غولدفاسر (في عام 2012).

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows