
امتدت شظايا الحرب بين إسرائيل وإيران إلى ما هو أبعد من رقعتي الضربات المتبادلة بين الجانبين، إذ طاولت أسواق المال العالمية، ولا سيما الأميركية، وسقطت أسهم الخطوط الجوية بفعل النيران التي عطلت المسارات، وارتفعت أسعار النفط واندفع المستثمرون إلى الذهب للتحوط مما تحمله الأيام المقبلة.
ويشهد العالم تصعيداً جيوسياسياً ينذر باشتعال شرارة انهيار شامل في الأسواق، وذلك بعد أن قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية منشآت نووية داخل إيران، وردت طهران بهجمات صاروخية انتقامية. وتراجع مؤشر "إس أند بي 500" بنسبة 1.1%، يوم الجمعة، في أسوأ جلسة له منذ 21 مايو/أيار الماضي، بينما انخفض مؤشر "ناسداك 100" بنحو 1.3%. وعلى مدى الأسبوع، انخفض مؤشر "إس أند بي 500" بنحو 0.4%، فيما هبط "مؤشر ناسداك 100" بنسبة 0.6%.
وسجلت سلة أسهم "العظماء السبعة" انخفاضاً بنحو 0.8%، مع تراجع أسهم "إنفيديا" للرقائق الإلكترونية و"آبل" و"ألفابت" و"مايكروسوفت" و"ميتا بلاتفورمز" وأمازون"، بينما كان سهم "تسلا" الوحيد في المجموعة الذي حقق مكاسب، مرتفعاً 1.9%.
وسجلت 10 من أصل 11 قطاعاً في مؤشر "أس أند بي 500" تراجعاً، قادتها خسائر في قطاعات المال والتكنولوجيا والعقارات، بينما كان قطاع الطاقة هو الرابح الوحيد، إذ قفزت أسعار النفط بما يصل إلى 13%، ما دفع بأسهم شركات النفط الكبرى مثل "إكسون موبيل" و"شيفرون" إلى الارتفاع. كما ارتفعت أسهم شركات الدفاع مثل "رايثيون تكنولوجيز" و"لوكهيد مارتن". وتُعد إيران من كبار منتجي النفط في العالم، ما يعني أن اندلاع حرب أوسع قد يؤدي إلى بقاء أسعار الخام مرتفعة لفترة أطول.
وقال وزير الطاقة الأميركي كريس رايت، إنه وفريقه يعملان مع مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض لمراقبة الوضع في الشرق الأوسط وأي تأثيرات محتملة على إمدادات الطاقة العالمية. وذكر رايت على منصة إكس، بعد الضربات الإسرائيلية على إيران، أن سياسة الرئيس دونالد ترامب الرامية إلى زيادة إنتاج النفط والغاز الأميركيين إلى أقصى حد، والتي تتضمن أيضاً خفض اللوائح التنظيمية للتلوث، تعزز أمن الطاقة الأميركي.
وارتفعت أسعار الخام العالمية، لتغلق على ارتفاع بنسبة 7% إلى أكثر من 74 دولاراً للبرميل، يوم الجمعة. وقال محللون في شركة "كلير فيو إنرجي بارتنرز" في مذكرة للعملاء "قد ترتفع أسعار البنزين في الولايات المتحدة بنحو 20 سنتاً للغالون في الأيام المقبلة خلال موسم ذروة القيادة الصيفية في الولايات المتحدة، مما يوجد ضغوطاً اقتصادية وعراقيل سياسية أمام ترامب الذي ركز في حملته الانتخابية على خفض تكاليف الطاقة".
وقالت الشركة إن ارتفاع الأسعار قد يدفع ترامب إلى التركيز على استغلال احتياطيات النفط الاستراتيجية، والسعي إلى زيادة الإمدادات من مجموعة "أوبك+"، وقد يُعقّد جهود تشديد العقوبات على روسيا، إحدى أكبر ثلاث دول منتجة للنفط في العالم. واحتياطي النفط الاستراتيجي الأميركي، هو الأكبر في العالم ويضم حالياً 402.1 مليون برميل من النفط الخام.
وفي مقابل استفادة النفط من التصعيد الحاصل بين إيران وإسرائيل، تلاحق الأضرار قطاعات أخرى على رأسها شركات الخطوط الجوية، حيث تراجعت أسهم شركات الطيران من "دلتا إيرلاينز" إلى "أميركان إيرلاينز غروب" 3.8% و4.9% على الترتيب، وذلك عقب الهجمات الإسرائيلية.
وطاولت الخسائر أسهم شركات الطيران في أوروبا، حيث انخفضت أسهم "إير فرانس-كيه إل إم"، و"دويتشه لوفتهانزا"، والشركة الأم للخطوط الجوية البريطانية "آي إيه جي" بأكثر من 3%، فيما سجلت شركات الطيران منخفضة التكلفة مثل "رايان إير هولدينغز" و"إيزي جت" و"ويز إير هولدينغز" تراجعات مشابهة. وفي آسيا، هبطت أسهم "الخطوط الجوية اليابانية" بنسبة 3.7%، فيما تراجعت "إيه إن إيه هولدينغز" بنسبة 2.8%.
كذلك تراجعت أسهم "العربية للطيران" الإماراتية، وهي شركة الطيران الوحيدة المدرجة في بورصات الخليج، وتداولت على انخفاض ناهز 10%، وهو أكبر هبوط لها منذ الأزمة المالية العالمية قبل نحو 17 عاماً. كما انخفضت أسهم "الخطوط الجوية التركية" في إسطنبول بنسبة وصلت إلى 7%، بينما تراجعت "بيغاسوس" منخفضة التكلفة بنسبة 6.4%.
وتعاني حركة الطيران في الشرق الأوسط توتراتٍ منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إذ شهدت المنطقة منذ ذلك الحين اشتباكات بين إسرائيل وإيران بلغت ذروتها في إبريل/ نيسان 2024، حين نفذت طهران هجوماً صاروخياً انتقامياً على تل أبيب، أعقبه فرض قيود على الطيران وتحويلات في المسارات، وهو نمط من الاضطرابات يتكرر مع كل جولة من المواجهات بين الطرفين.
وسبّب ذلك انسحاباً متزايداً لشركات الطيران الأجنبية من سماء تل أبيب، ومن بين 20 شركة طيران كانت تهيمن على السوق قبل الحرب، تكاد الشركات الإسرائيلية تكون هي الوحيدة الباقية، إذ انخفض عدد الطائرات والركاب في مطار بن غوريون بنسبة 40% في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، بحسب ما نقلته "بلومبيرغ" في وقت سابق.
في الأسابيع الأخيرة أيضاً، واجهت شركات الطيران تحديات في التحليق فوق باكستان والهند إثر اندلاع اشتباك دموي قصير بين البلدين، كما لجأت شركات أخرى إلى إلغاء مساراتها أو تعديلها فوق روسيا، مع تصاعد الهجمات بالطائرات المسيرة قرب موسكو.
وجاء توقيت الضربة الإسرائيلية على إيران ليفسد أسبوعاً اتسم بالإقبال على السوق الأميركية، ولا سيما في ظل إحراز تقدم في المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ومؤشرات تراجع التضخم. ويراقب المتداولون ما سيحدث في الشرق الأوسط خلال الأيام المقبلة وتداعيات ذلك على الأسواق، ولا سيما ما يتعلق بالنفط وحركة الشحن.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد حث إيران على قبول الاتفاق النووي لتفادي المزيد من الهجمات، وذلك بعد ساعات من قصف إسرائيل لمنشآت نووية إيرانية ومقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء في مجال الطاقة النووية. وأشار جيف يو، من بنك "بي إن واي ميلون" في الولايات المتحدة لوكالة بلومبيرغ إلى أن هناك حالة من العزوف عن المخاطرة في الأسواق، لافتاً إلى أن الأسواق تترقب ردات أفعال إيران والولايات المتحدة وأطراف أخرى.

Related News
