
ليست جمهورية مصر العربية دولة ثانوية في العالم العربي. لا تاريخها ولا ريادتها يقولان إنها سترضخ لعنجهية وزير الحرب الصهيوني يسرائيل كاتس، بطلبه منها التصدي للمسيرة العالمية وقافلة الصمود الرافضة لجريمة الإبادة والمتضامنة مع قطاع غزة. مصر الدولة تقرأ حقيقة دوائر أمنها القومي ومكانتها، وليس كما تريدهما الحركة الصهيونية. ولأنها كررت رفضها لجريمة الإبادة وسياسات التجويع والتطهير العرقي، فلا يمكنها القبول بتقزيم مكانتها عربياً ودولياً إلى ما هو أصغر من مواقف دول وشعوب أوروبية، ممن باتوا يفهمون، مثلما فهمت مصر تاريخياً، الهمجية والأطماع الصهيونية. وعليه، ستفتح أبوابها أمام متضامنين مع غزة من أوروبا والدول العربية، وترفع مصداقية مواقفها والجامعة العربية بشأن وقف الحرب على غزة. وستُحرج بموقف متحضر الاحتلال الإسرائيلي أمام دول العالم، بسماحها بوصولهم إلى معبر رفح. وهي أكثر تحضراً من منع وتخريب مستوطنين فاشيين صهاينة لسيارات المساعدات، بما فيها المصرية، بحماية من الإرهابي بتسلئيل سموتريتش.
مصر التي تكرر سياسياً ودبلوماسياً ضرورة وقف جريمة الإبادة وإنهاء الحصار لا تستحق خروج إعلاميين من القاهرة يسيئون لها تحت شعار "مالنا ومال غزة؟". وبالتأكيد لا تقبل أن يُستخف بقوتها وقدراتها الأمنية، باعتبار مئات متضامنين كمهددين للأمن القومي المصري. كما أن "أم الدنيا" لا يمكنها القبول لا شكلاً ولا مضموناً أن تظهر أقل من أصوات أوروبية ويهودية تطالب بنبذ ومقاطعة ومعاقبة الاحتلال وطرد دبلوماسييه. ولن تفوت فرصة الاستفادة من قدوم مئات المتضامنين الأوروبيين لإحراج السياسات الإقليمية والدولية، ولتوجيه رسالة واضحة: "لا يمكن تخطي دور ومكانة مصر".
وبالطبع لن تقبل مصر أن تتصدر الصحافة الأوروبية في منعها رفع الناس العلم الفلسطيني، واستهداف وتوقيف ناشطين متضامنين، في وقت يفتخر فيه الأيرلندي وملايين الأوروبيين بأنهم يقفون مع عدالة قضية فلسطين. ومصر أكبر وأقوى من أن يخيفها سلميون متضامنون، بوصلتهم رفض جرائم الاحتلال الإسرائيلي وليس شؤون مصر الداخلية. وعليه، المنطق يقول غير ما يردده الفاقدون لبوصلة الضمير والإنسانية، المحذرون من تأثير مسيرة تعاطف سلمية على مصالح مصر. وكذلك يقول: إن مصلحة الدولة المصرية هي في ترك الناس تعبر عن تضامنها وليس كبتها.
اختصاراً، إن ما تقدم يظل آمالاً تقوم على اعتبار أن مصر أكبر بكثير من إرادة صهيونية، ومن رهط متصهينين يشوهون مكانتها، بما لا يليق حتى بمصالحها. فهل تفعلها وتمنع المتضامنين؟ أم تنسجم مع قيمها ومكانتها وتاريخها ومستقبلها؟

Related News
