
تتصاعد وتيرة التوترات والغضب الشعبي، وتحديداً لدى موظفي إقليم كردستان شمالي العراق، الذين لم يتسلّموا مرتباتهم منذ أشهر، بسبب رفض وزارة المالية الاتحادية في بغداد إرسال الرواتب، بحجة عدم التزام الإقليم بالدستور الذي ينظم العلاقة النفطية بين بغداد وأربيل.
وخلال الأسبوعَين الماضيَين، تفجرت الأزمة بين بغداد وأربيل، إثر توقيع حكومة إقليم كردستان اتفاقيتَين نفطيتَين مع شركتَين أميركيتَين لاستثمار حقلَي "ميران" و"توبخانه - كردمير" في محافظة السليمانية. على إثر ذلك، دخلت العلاقة بين الحكومتَين منعطفاً خطيراً بعد قرار وزيرة المالية العراقية طيف سامي، وقف صرف رواتب موظفي الإقليم، بسبب عدم حسم ملف عائدات النفط من الحقول المتوقفة منذ عامين.
وقد أثار القرار ردود فعل غاضبة من الجانب الكردي، وسط بوادر أزمة متفاقمة وتلويحات بإمكانية الانسحاب من العملية السياسية في بغداد. وتطوّرت الأزمة مع خروج الأطباء المقيمين في محافظات السليمانية وحلبجة وأربيل، يوم الأحد، في احتجاجات على تأخر صرف الرواتب، فيما لجأ بعضهم إلى إعلان الإضراب، في خطوة ضاغطة على حكومتَي أربيل وبغداد لحل الأزمة.
في المقابل، أصدرت السلطات الرسمية في أربيل قراراً يقضي بفرض عقوبات إدارية وقطع الرواتب بحق كلّ موظف يتغيّب عن دائرته أو مكان عمله، ما أثار ردود فعل ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأعرب عدد من المدونين عن استيائهم من القرار، مطالبين الحكومة بصرف الرواتب أولاً قبل الحديث عن عقوبات الغياب.
وبالفعل، أعلنت المديرية العامة لصحة أربيل معاقبة أطباء في مستشفيي "رابرين للأطفال" و"رزكاري التعليمي" بسبب إضرابهم عن الدوام. وأوضح المدير العام للمديرية، دلوفان محمد فاتح، في بيان: "قررنا، بناءً على تقرير رئيس الأطباء المقيمين ومن أجل المصلحة العامة، معاقبة الأطباء المضربين عن الدوام بقطع يوم واحد من رواتبهم واعتبارهم غائبين"، وأضاف: "الأطباء المقيمون المضربون عن الدوام في مستشفيات القطاع العام ممن لم يلتزموا بالدوام الرسمي لا يجوز لهم العمل في المستشفيات الخاصة، وبخلاف ذلك تُحمّل المستشفيات الخاصة المسؤولية ويجري إغلاقها".
وكانت وزيرة المالية العراقية طيف سامي، قد أبلغت الشهر الماضي حكومة الإقليم بتعذر استمرار الوزارة في تمويل الرواتب، مرجعة ذلك إلى "تجاوز كردستان الحصة المقرّرة له ضمن قانون الموازنة الاتحادية، والبالغة 12.67%"، وأكدت الوزارة في بيان لاحق أن "حكومة الإقليم لم تلتزم بتسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية للحكومة الاتحادية، وأن امتناعها عن تسليم هذه الإيرادات أدى إلى تجاوز حصتها المحددة في الموازنة"، كما أشارت إلى أن "حكومة الإقليم لم تلتزم بتوطين الرواتب"، ورأت أن عدم التزام الإقليم بتسليم نفط حقوله لشركة سومو تسبب في خسارة الخزينة العامة تريليونات الدنانير.
في السياق نفسه، ندّد الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني، بالقرار، مؤكداً أن بغداد لا تزال مستمرة في انتهاك الحقوق الدستورية لإقليم كردستان"، واعتبر أن كتاب وزارة المالية يتعارض مع الدستور وأسس الاتفاق السياسي لتشكيل الحكومة، ويُعد استغلالاً سياسياً لقوت المواطنين، وأوضح الحزب أن الموضوع سيكون محوراً رئيسياً في اجتماع لجنته المركزية المقرّر عقده في الثاني من يونيو/ حزيران 2025 لاتخاذ موقف مناسب، وهدّد بأنه في حال عدم إرسال مستحقات وحقوق شعب الإقليم قبل عيد الأضحى، فإننا سنتخذ موقفاً حازماً.
ومن جانب ثانٍ، تواصل "العربي الجديد" مع ثلاثة موظفين من إقليم كردستان، بينهم معلم، وقالوا إن الوضع الاقتصادي للموظفين في أسوأ حالاته، ولا جدوى من مواصلة الدوام في الدوائر الحكومية بعد الآن، وأكدوا أن التوجهات الشعبية تتجه نحو التصعيد وإعلان الإضراب العام، مشددين على أن من واجب حكومتي أربيل وبغداد إنهاء خلافاتهما السياسية وحل الأزمة بما يُرضي الشعب، وإلّا فإن الاحتجاجات قد تندلع بقوة أكبر، لأن محافظات إقليم كردستان تعيش حالياً أوضاعاً صعبة، وقد تكون من أكثر محافظات العراق فقراً.
من جانبه، قال الوزير الأسبق والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري، إن قرار إيقاف تمويل رواتب موظفي الإقليم هو قرار سياسي بامتياز وظالم، وجاء في توقيت سيّئ قبل عيد الأضحى"، وأوضح في حديث متلفز أن العلاقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان سيئة، مشيراً إلى إمكانية تدويل أزمات الإقليم جراء حرمانه من حقه الطبيعي والدستوري في الحصول على حصته المالية من الموازنة، البالغة 12%، لكن الحكومة الاتحادية لا تلتزم بالدستور ولا بالقانون.
بدوره، قال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراق معين الكاظمي في حديث لـ"العربي الجديد"، إن بغداد لا تقصد تجويع الشعب الكردي في الإقليم، لكن الحكومة في أربيل تتحمل مسؤولية الأزمة، إذ يجب عليها تقديم كشوفات دقيقة بشأن الإيرادات غير النفطية، بالإضافة إلى بيانات المنافذ الحدودية والضرائب، وأضاف أنه لطالما طلبت بغداد من حكومة الإقليم توطين رواتب الموظفين، من أجل مساواتهم بباقي العراقيين، وعدم إخضاع مرتباتهم للمزاج السياسي في محافظات الإقليم، مؤكداً أن "توطين الرواتب سيحلّ الكثير من المشكلات المالية ويمنع عرقلتها الشهرية".
بينما أشار الصحافي العراقي محمد جامباز في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الخلاف المتصاعد بين حكومتَي بغداد وأربيل حول أحقية رواتب الموظفين، تستثمره حالياً جهات إعلامية صفراء تسعى إلى تهديد السلم المجتمعي"، وأضاف في أن هناك مَن يستغل أزمة الرواتب لتحقيق غايات سياسية وانتخابية"، موضحاً أن الأزمة لا تُعالج بالتصعيد الإعلامي، بل من خلال حوارات سياسية هادفة، وإلّا فإنها قد تتصاعد وتتحول إلى أزمة دولية.
وتُعد أزمة الرواتب الحالية امتداداً لخلافات عميقة بين بغداد وأربيل، تتعلق بإدارة الموارد النفطية وحصص الموازنة، وتأتي بوادر الأزمة الأخيرة في وقت يستعد فيه العراق لخوض الانتخابات البرلمانية المقرّرة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ما قد يؤثر على سير التحالفات والتفاهمات السياسية المقبلة.

Related News



