الدروس الخصوصية في سورية عبء جديد على الأسر
Arab
4 hours ago
share

تضاعفت أسعار الدروس الخصوصية للشهادتَين الإعدادية والثانوية في سورية، على نحوٍ غير مسبوق، بنسبة تصل إلى ثلاثة أضعاف وأحياناً إلى سبعة أضعاف مقارنة بالعام الماضي، لتشكّل عبئاً مالياً على الأسر، في ظلّ الأزمة الاقتصادية الحادة وتدهور القوة الشرائية لليرة السورية.

وفي حين كانت أجرة ساعة أي مادة علمية للبكالوريا العلمي العام الماضي 30 ألف ليرة سورية (الدولار يساوي 1100 ليرة سورية بحسب السعر الرسمي و9200 بحسب السوق السوداء)، وصلت هذا العام إلى مئة ألف ليرة وأحياناً 250 ألف ليرة، أي ما يعادل راتب موظف حكومي من الدرجة الرابعة في أفضل الأحوال، وتشهد موادّ كاللغات ارتفاعاً مماثلاً، ما دفع بعض الأهالي للاستدانة أو العمل الإضافي لتغطية هذه النفقات.

وتقول نهى الحريري من درعا، وهي أم لتلميذة في الصف الثالث ثانوي - الفرع العلمي، في حديث لـ "العربي الجديد": "أحتاج إلى 500 ألف ليرة أسبوعياً لدروس ابنتي في الرياضيات والفيزياء والكيمياء والإنكليزية والفرنسية"، مضيفة: "اضطررنا إلى التخلي عن مواد مثل العربية والعلوم بسبب التكاليف، لكن حتى ذلك لا يكفي. أعمل في توضيب الخضار الجاهزة والخياطة لتأمين المبلغ".

وليس علي الوحيد الذي يحاول تخفيف التكاليف على نفسه، إذ تكشف ميادة العلي، والدة تلميذ في الصف التاسع، أنها تنفق 250 ألف ليرة أسبوعياً على الدروس، رغم مشاركة ابنها في مجموعات دراسية لتخفيف العبء، وتقول لـ "العربي الجديد": "المدرّسون يستغلون حاجة التلاميذ، والأسعار تتغيّر كل شهر تقريباً. ابني يحتاج إلى دروس في كل المواد لأن المنهاج أصبح معقداً والمدرسين أصبحوا أقل، والمدرسة لا تكفي".

وتعزو إحدى معلمات مادة الرياضيات، التي فضلت عدم الكشف عن اسمها، تفشّي ظاهرة الدروس الخصوصية إلى عوامل عدّة، أبرزها قصر الحصص المدرسية التي لا تكفي لشرح كل التمارين، خصوصاً في مواد مثل الرياضيات والفيزياء التي تعتمد على التطبيق العملي، ويتزامن الأمر مع كثافة المناهج التي تتطلّب وقتاً أطول للشرح والاستيعاب، بينما تلتزم المدارس بجداول زمنية محدّدة، وتفتقد أيضاً لوسائل إيضاح علمية، تضيف أن بعض المدرسين "يستغلون سمعتهم وموقعهم الجغرافي فيرفعون الأسعار وفقاً لذلك. بينما يقدم بعض المعلمين أسعاراً مخفضة مراعاةً للظروف، حتى إنّ بعض المعلمين يقدمون الدروس مجاناً. لا ألوم المعلمين لأنّ الرواتب لا تكفي للعيش هذه الأيام، لكن الأهالي أصبحوا تحت ضغط مزدوج بين رغبتهم في تأمين مستقبل أبنائهم وعدم قدرتهم على تحمل التكاليف".

ويتجاوز الارتفاع في أسعار الدروس الخصوصية معدل التضخم الرسمي، ما يؤكّد أن الظاهرة لم تعد مرتبطة بالأزمة الاقتصادية فحسب، بل أيضاً بتحولها إلى سوق غير منظمة تخضع لعوامل المضاربة، إذ يستغل بعض المعلمين غير المرتبطين بالدوائر الحكومية استقلاليّتهم وينتظرون أيام الامتحانات الرسمية، التي تعتبر المحدّد لمصير التلاميذ لرفع أسعار ساعاتهم الدرسية.

إلى ذلك، يتحدّث المعلّم جمال عن التداعيات الاجتماعية للدروس الخصوصية، معتبراً أنها ترسّخ التفاوت الطبقي وانهيار تكافؤ الفرص  في المجتمع، كونها باتت محصورة بمَن يستطيع الدفع، أما مَن لا يستطيع ذلك، فلا حول له ولا قوة، ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "الدروس الخصوصية أحد أبرز العوامل التي تُعمّق الفجوة بين التلاميذ؛ فالأسر المقتدرة تستطيع تأمين أفضل المدرسين، ما يزيد فرص أبنائها في التفوق، أما الأسر محدودة الدخل، فتضطر إلى الاختيار بين المواد أو اللجوء إلى مدرسين أقل كفاءة، ما يؤثر على مستقبل أبنائهم".

يضيف حرب أن "ظاهرة الدروس الخصوصية لها آثار سلبية على صعد عدة؛ فهي تساهم في تراجع دور المدرسة، بعدما أصبح التلاميذ يعتمدون على الدروس الخصوصية بدلاً من الحصص الرسمية، كما أنها تستنزف مداخيل الأسر، خصوصاً أن بعض العائلات الفقيرة تنفق أكثر من 100% من دخلها الشهري على التعليم. إضافة إلى ما سبق، كان لهذه الظاهرة أثر كبير في تزايد التسرّب المدرسي بين التلاميذ الذين لا يستطيعون تحمل التكاليف".

من جهتها، ترى التربوية هبة رمزي أن الحلول التي يجب اتباعها للحدّ من هذه الظاهرة يفترض أن تشمل مبدئياً إصلاح المناهج وتخفيف كثافتها، مع زيادة الحصص العملية، والأهم تحسين أجور المدرسين في القطاع العام، لتقليل اعتمادهم على الدروس الخصوصية، كما أنّه يجب تشريع المهنة تربوياً وتنظيم الأسعار عبر وضع سقف معقول، ومراقبة الممارسات الاحتكارية، بالإضافة إلى تعزيز الدعم المدرسي عبر حصص مجانية للتلاميذ الضعفاء.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows