
كشف مسؤولون في وزارة الداخلية العراقية، لـ"العربي الجديد"، أن الشهر الماضي شهد تسجيل أدنى معدل لتدفق مادة الكبتاغون المخدرة إلى البلاد عبر سورية منذ عام 2017، وأنّ تعاطي وتداول المادة تراجع في البلاد بعدما ارتفع سعرها أضعافاً بسبب شحها وعدم سهولة الحصول عليها. وتزامن ذلك مع تكثيف القوات العراقية عمليات ملاحقة شبكات ترويج وتهريب هذه المادة بين المدن والمحافظات المختلفة، التي كانت تُصنّع في سورية بإشراف قادة ومسؤولين في نظام بشار الأسد، وأسفرت هذه العمليات عن تفكيك نحو 10 شبكات لتهريب وترويج المخدرات داخل العراق خلال الشهرَين الماضيَين.
ومنذ إعلان سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عُثر في مناطق مختلفة من سورية على كميات كبيرة من أقراص الكبتاغون مكدّسة في مستودعات أو قواعد عسكرية، ما أكّد دور النظام السوري في صناعة هذه المادة المخدرة المحظورة وتصديرها إلى العالم. وسيطرت الحكومة السورية الجديدة على قواعد عسكرية ومراكز توزيع منشطات تتضمن مادة "أمفيتامين"، وهو محفز قوي للجهاز العصبي، والتي غمرت السوق السوداء في أنحاء المنطقة.
وأكد ثلاثة مسؤولين في وزارة الداخلية، أحدهم في مديرية مكافحة المخدرات، لـ"العربي الجديد"، أن "نسبة تراجع عمليات تهريب الكبتاغون وإدخاله العراق تراجعت نحو 70%"، وأشاروا إلى أن "مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، من جهة الحسكة ودير الزور، تتصدر محاولات التهريب حالياً، في حين أن هذه المحاولات معدومة في مناطق الدولة السورية الجديدة. ويجري تهريب حبوب مصنّعة منذ عام أو أكثر خزنتها عصابات في الجانب السوري".
وأوضح أحد المسؤولين العراقيين أن "معظم المدن التي كانت متأثرة بسموم مادة الكبتاغون المخدرة تحوّلت اليوم إلى مناطق أكثر راحة، لكن حالات اجتماعية مأساوية حدثت ولا تزال. وبمجرد انقطاع المادة عن التداول ظهرت أعراض صحية خطيرة على مدمنين تعمل وزارة الصحة ومراكز تأهيل وعلاج لمساعدتهم على تخطي المراحل الصعبة للتعافي".
وأظهرت أرقام حديثة نشرتها مديرية مكافحة المخدرات التابعة لوزارة الداخلية العراقية ضبط نحو عشرة أطنان من الأقراص والمؤثرات العقلية خلال النصف الأول من العام الحالي، واعتقال أكثر من ستة آلاف متورط بهذه التجارة. وتعد نينوى والأنبار، المحاذيتان للحدود مع سورية، الأكثر تضرّراً باعتبارهما محافظتَي مرور إلى باقي المدن والمحافظات.
والأسبوع الماضي، أكّد قائد شرطة محافظة الأنبار اللواء عادل حامد أن "المحافظة شهدت انخفاضاً كبيراً في انتشار المخدرات بنسبة وصلت إلى 85%، وأن قوات الأمن تواصل جهودها بدقة واستمرار لملاحقة باقي المتاجرين والمتعاطين"، وأكد في مؤتمر صحافي أن "قوات الشرطة تتابع عن كثب الحالات القليلة جداً المتبقية من متعاطي ومروجي المخدرات، وتعمل لاجتثاث الآفة بالكامل. وقريباً جداً ستعلن الأنبار محافظةً خالية من المخدرات".
من جهته، قال عضو مركز الرشيد للتنمية صالح مهدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "سقوط بشار الأسد ونظامه الداعم لمصانع الكبتاغون والمُتاجر الأساسي فيها جعل العراقيين يأملون بنهاية هذه الآفة، كما أن الإجراءات والعقوبات العراقية المشدّدة المفروضة على المُتاجرين والمُروّجين أوجدت تدابير الردع المطلوبة لحماية المجتمع والحفاظ على أمنه واستقراره"، وتابع: "تساهم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والقضائية في تنظيف المجتمع من المخدرات، لكنّ ذلك لا يعني أن الوضع بات تحت السيطرة بالكامل، لذا هناك حاجة فعلية لمواصلة العمل تحديداً في المناطق الغارقة بالكريستال الذي يصلنا من حدودنا الشرقية".
وذكر أن "التراجع الملحوظ في تعاطي المخدرات، وتحديداً مادة الكبتاغون، يمثل نجاحاً كبيراً يجب أن يترافق مع اهتمام أكبر في إنشاء وتوسيع مراكز إعادة تأهيل المتعاطين، وعدم اعتماد طريقة المعالجة عقوبةً للمتعاطي والمدمن، بل وسائل إصلاحية تؤدي في النهاية إلى دمجهم في المجتمع"، واعتبر أن "منظمات المجتمع المدني تساهم كثيراً في دعم أدوات محاربة المخدرات وتوفير سبل الدعم وعلاج المتعاطين واحتوائهم بعد العلاج".
وكان المقرّر السابق لمجلس النواب محمد عثمان الخالدي قال إن "نظام الأسد كان يضخ أكثر من مليون حبة كبتاغون شهرياً إلى العراق باعتبارها مصدر دخل رئيسي له، وأن سورية تحوّلت خلال السنوات الأخيرة إلى أحد أهم المراكز العالمية لتصنيع وتوزيع الكبتاغون، ما أدى إلى تدفق هذه السموم إلى العراق ودول الجوار".
وأشار الخالدي، في تصريحٍ صحافي، إلى أن "تهريب الكبتاغون لم يكن مجرد نشاط إجرامي، بل جزءاً من شبكة مصالح سياسية وأمنية. واستُخدمت هذه التجارة لتمويل جهات مختلفة داخل سورية وخارجها. وحالياً بات تهريب الكبتاغون من سورية شبه متوقف، خصوصاً مع تشديد الإجراءات الأمنية العراقية وتعزيز الرقابة على الحدود".
وخلال الأشهر الماضية، تفاءل عراقيون كثيرون بسقوط نظام الأسد في سورية الذي كان يؤثر على أمن بلدهم وسلامة مجتمعه، لا سيّما في المناطق التي كانت تغرقها عصابات يدعمها النظام بالكبتاغون. وعُثر منذ سقوط النظام الأسد في مختلف مناطق سورية على كميات كبيرة من أقراص "كبتاغون" مكدّسة في مستودعات وقواعد عسكرية، ما أدى إلى تقلّصها وتراجعها، لكن مناطق في جنوب العراق لا تزال تعاني من انتشار مادة "الكريستال" التي تصل من إيران.
وفي السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي عام 2003، انتشرت المخدرات على نطاق واسع في العراق. وكان القانون يعاقب مروجي المخدرات بالإعدام شنقاً، لكن هذه العقوبة ألغيت واستبدلت بالسجن 20 عاماً، ثم شدّد القضاء عقوباته أخيراً على تجار المخدرات لمحاولة الحدّ من الظاهرة.

Related News
