بريطانيا تسابق الزمن لتجنب كارثة جمركية.. صفقة الصلب مع واشنطن مهددة
Arab
3 hours ago
share

وسط أجواء من التصعيد التجاري العالمي والضغوط الداخلية لإنعاش قطاع الصناعات الثقيلة، تواجه الحكومة البريطانية اختباراً مصيرياً يتمثل في قدرتها على إتمام صفقة جمركية مع الولايات المتحدة خلال مهلة لا تتجاوز أسبوعين. وتأتي هذه الضغوط في أعقاب تهديد مباشر من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم من بريطانيا إلى 50% بحلول 9 يوليو/تموز المقبل، إذا لم تُحل القضايا العالقة بين الجانبين. ويبدو أن ثقة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في سرعة التوصل لاتفاق نهائي، تصطدم بمعوقات بنيوية تتعلق بملكية الشركات ومتطلبات الإنتاج الصناعي.

وحذر كبير مفاوضي التجارة البريطاني السابق، كروفورد فالكونر، في تصريح لبلومبيرغ، اليوم الأحد، من أن المهلة الزمنية التي حددتها الحكومة لإتمام الصفقة "طموحة على نحو غير واقعي"، مشيراً إلى أن إتمام الاتفاق خلال أسبوعين يتطلب "كرماً استثنائياً من الجانب الأميركي". وأضاف فالكونر أن حجم القضايا العالقة، خصوصاً تلك المرتبطة بالملكية الأجنبية لقطاع الحديد ومتطلبات بلد المنشأ، يجعل من غير المرجح التوصل إلى صيغة نهائية خلال هذا الإطار الزمني الضيق. وتُفسَّر هذه التصريحات على أنها تحذير مبكر من احتمال فشل الحكومة في الوفاء بتعهداتها الصناعية.

والأربعاء الماضي، أكد رئيس الوزراء كير ستارمر أمام البرلمان البريطاني أن المملكة المتحدة "ستُبرم الاتفاق خلال أسبوعين"، مضيفاً أن بريطانيا هي الدولة الوحيدة التي استثنيت من الرسوم الأميركية المرتفعة، وأن العمل جارٍ لتخفيضها إلى الصفر. هذا التفاؤل الذي أبداه ستارمر يأتي في وقت لا تزال فيه المفاوضات متعثرة بشأن بنود تقنية حاسمة مثل "شرط الصهر والصب في المملكة المتحدة"، وموقف واشنطن من ملكية "بريتش ستيل" الصينية، بحسب صحيفة ذا غارديان، ويُنظر إلى هذه التصريحات على أنها محاولة لطمأنة الصناعيين البريطانيين قبيل المهلة النهائية، أكثر من كونها تعكس واقعية الموقف التفاوضي.

صفقة تحت التهديد

وضعت إدارة ترامب الحكومة البريطانية تحت ضغط واضح، بعد أن أمهلتها حتى 9 يوليو/تموز لحل القضايا الخلافية العالقة. وفي حال الفشل، ستطبق الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 50% على الصلب والألومنيوم البريطاني، وهو ما قد يُخرج العديد من المصانع من السوق الأميركية تماماً. ويُذكر أن الرسوم الحالية تبلغ 25%، وقد علّقت واشنطن زيادتها مؤقتاً كـ"فرصة للتفاوض" فقط، وليست تنازلاً دائماً، بحسب رويترز. ويعكس هذا النهج عقيدة ترامب التجارية القائمة على "العقوبات المشروطة"، ويجعل القطاع الصناعي البريطاني عرضة لتقلبات القرار السياسي الأميركي.

وأحد أبرز العوائق أمام إتمام الاتفاق يتمثل في ملكية شركة "بريتش ستيل" لمجموعة "جينغيه" الصينية، وهي شركة تعتبرها الولايات المتحدة تابعة لدولة خصم استراتيجي. وعلى الرغم من أن الحكومة البريطانية استحوذت مؤقتاً على مصانع الشركة في إبريل/نيسان الماضي لحمايتها من الإفلاس، إلا أن الملكية القانونية لا تزال بيد الطرف الصيني. ووفقاً للوثيقة الأولية للاتفاق، تشترط واشنطن "الامتثال لمتطلبات تتعلق بملكية منشآت الإنتاج"، وهي إشارة ضمنية إلى رفض التعامل مع شركات مملوكة للصين، بحسب فايننشال تايمز، وهذا البند يجعل من "بريتش ستيل" نقطة اشتباك سياسي وتجاري في آن.

وتهدد الصفقة أيضاً أزمة أخرى، وهي الشروط الأميركية التي تلزم بأن يكون الصلب المنتج مكوناً من مواد تم صهرها وصبها بالكامل داخل بريطانيا، وهو أمر لا تستطيع شركة "تاتا ستيل – المملكة المتحدة" الوفاء به حالياً، بعد أن أغلقت آخر أفرانها العالية في 2024. وتستخدم الشركة حالياً مواد أولية مستوردة من الخارج، وستستمر على هذا النحو حتى نهاية عام 2027. وقد صرح الرئيس التنفيذي راجيش ناير أن فرض شرط "الصهر المحلي" سيحرمهم من السوق الأميركية ويقضي على قدرتهم التنافسية، بحسب بلومبيرغ. وهذا يعكس تحولاً في بنية الصناعة البريطانية من التصنيع الكامل إلى التجميع والاستيراد.

بريطانيا تسابق الزمن لإتمام صفقة الصلب

من جانبها، أعلنت وزارة التجارة البريطانية عبر وزيرها جوناثان رينولدز أن "خطوات أساسية تُتخذ بوتيرة سريعة لتحويل الاتفاق إلى صفقة قابلة للتنفيذ". ويشمل ذلك، بحسب تصريحه أمام البرلمان، الأربعاء الماضي، العمل على ضمان استفادة منتجي الصلب والسيارات من الإعفاءات الجمركية في أقرب وقت ممكن. ورغم هذه التأكيدات، لا تزال الرؤية غير واضحة بشأن كيفية معالجة النقاط الخلافية في هذا الوقت القصير، وسط غياب أي مؤشرات عن تنازلات أميركية فعلية.

وهو ما يعني أن خطر الرسوم العقابية الأميركية يضع بريطانيا في مأزق حرج لا تملك فيه سوى خيارين: إما تقديم تنازلات سريعة قد تضعف موقفها السيادي في ملفي الملكية والإنتاج الصناعي، أو القبول بضربة اقتصادية مباشرة للصناعات الثقيلة فيها. ورغم المساعي السياسية لإظهار الموقف على أنه تحت السيطرة، فإن التفاصيل التقنية والهيكلية تكشف عن واقع أكثر هشاشة. وفي حال فشلت الحكومة بحسم هذه القضايا قبل المهلة المحددة، فإن تداعيات الرسوم الجمركية سترتد سريعاً على أسعار الصلب، وفرص العمل، وأداء الجنيه الإسترليني نفسه في الأسواق العالمية.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows