صراع التيكتوكرز على هوية الأغنية السورية
Arab
3 hours ago
share

لأكثر من ثلاثة عقود، بقيت صناعة "النجم" الغنائي في سورية حالة نادرة، لأسباب عدّة أبرزها التزام المواهب المحليّة بالمدرسة التقليدية للطرب والأدوار والموشحات (على غرار صباح فخري)، وارتباط هذا اللون بالهوية السورية الغنائية التي تحوّلت إلى عرف يُختتم به كل حفل أو مهرجان.
غير أنّ خروج المغنية السورية أصالة مصطفى نصري مطلع التسعينيات من الحدود الفنية المحلية، واختيارها بيروت والقاهرة نقطةَ انطلاق لمسيرتها، شكّل لحظة تحوّل في مسار المغني السوري خارج الحدود. خاضت أصالة التحدّي، ونجحت في أن تصبح واحدة من قلّة نادرة تحظى بإجماع عربي، لا سيّما في منطقة الخليج، إذ خاطبت الجمهور بلهجته وقدّمت سلسلة ألبومات خليجية رسّخت حضورها.
رغم ذلك، ظلّت سورية طوال سنوات في شبه قطيعة عن صناعة النجومية الغنائية (إذا ما استثنينا حالات قليلة من ضمنها ناصيف زيتون مثلاً)، بفعل الوضع السياسي القمعي الذي حال دون صعود أسماء جديدة، وهي حالٌ ما زالت مستمرّة حتى اليوم، وإن اختلفت آلياتها. فالساحة الآن يغزوها عدد من المغنّين الذين لا يمتلكون موهبة غنائية متكاملة، وظهروا بوصفهم نتاجاً مباشراً لانتشار المنصات الرقمية ومواقع التواصل، إذ تحوّل التفاعل وعدد المشاهدات إلى "سلاح النجومية".
من بين هؤلاء، برز اسم "الشامي"، المغني الذي لم يكن أحد يعرفه قبل ثلاث سنوات، ليتحوّل فجأة إلى واحد من أبرز الأصوات الشبابية، حاصداً شهرة واسعة وسريعة في زمن قياسي عبر المنصات البديلة. جذب الشامي أكثر من مئتي مليون مشاهدة واستماع، وحقق من خلال إقامته في لبنان نوعاً من التقدّم المعنوي الذي وفّر له مساحة حضور لافتة، رافقها خوف مشروع بتلاشي هذه الظاهرة فجأة، خصوصاً بعدما أصبح قدوةً تجارية يتبعها آخرون لنيل الشهرة والانتشار.

من هؤلاء أيضاً المغنية السورية الشابة بيسان إسماعيل، التي لم يتجاوز عمرها عشرين عاماً، وبدأت مشوارها عبر تطبيق "تيك توك"، محققة نسب متابعة جيّدة، لكن التحوّل الأبرز في مسيرتها جاء بعد استعانتها بالموزع الموسيقي فؤاد جنيد، بعد خلافه مع الشامي، لتقدّم موسيقى مستنسخة تقريباً من نمطه، قائمة على التوزيع الإلكتروني ذي الإيقاع المتكرّر.
الثنائي الشامي وجنيد أرسيا أسلوباً يعتمد على إبراز الإيقاع والتوزيع الموسيقي بتقنيات حديثة، على حساب العناصر الأخرى، لا سيّما الكلمات التي كثيراً ما تتطلب ترجمة لفهمها، إلّا أن هذه الخلطة حققت نجاحاً كبيراً على المنصات الرقمية، إذ تخطت بعض الأغاني عتبة مئة مليون مشاهدة. ومن أبرز الأمثلة على هذه الظاهرة، أغنية "الحربين" لبيسان إسماعيل التي قاربت الـ83 مليون مشاهدة على "يوتيوب"، وهي في الواقع نسخة منقّحة عن أغنية الشامي "صبرا صبرا" التي تخطت بدورها الـ185 مليون مشاهدة.
نجاح كهذا يُطرح معه سؤالاً مشروعاً: إلى أين تمضي الأغنية السورية "الشبابية"، وكيف يمكن اختزال جيل كامل في بضعة أغانٍ صاخبة ومكرّرة، أن يُسهم في تحديد ملامح مستقبل الفن في سورية؟ هذه الأغاني تلقى رواجاً واسعاً بين الأطفال والمراهقين، وقد تشكل، مع الوقت، منعطفاً غير واضح المعالم لمشهد غنائي جديد تماماً.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows