اللاجئون السودانيون... أقصى الطموح كسرة خبز في عيد الأضحى
Arab
3 hours ago
share

يستقبل اللاجئون والنازحون السودانيّون عيد الأضحى هذا العام، وهم من الفئات الأشد حزناً وألماً وقهراً، حيث يقبعون تحت خيامٍ مهترئة في مخيمات النزوح الداخلي وفي مخيمات اللجوء، يتضوّرون جوعاً ويشكون المرض والفقر. يتوقون إلى اليوم الذي تتوقف فيه الحرب وتنتهي رحلة معاناتهم المستمرة منذ أكثر من عامين.
يفتقد اللاجئون الذين قطعوا مئات الأميال وعبروا حدود دول الجوار، أي إحساس برائحة العيد ونكهة الفرح، تماماً كما أولئك الذين صمدوا في مخيمات الداخل. ترى سامية كوكو من مخيم "مِجِي" الواقع شرق تشاد، أن "العيد ذكرى مؤلمة" لحياتها التي كانت تعيشها وسط أسرتها في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، حيث وقعت أسوأ مجازر بشرية مروّعة راح ضحيتها منذ بداية اندلاع الحرب في منتصف إبريل/نيسان 2023، عشرات آلاف الضحايا، من بينهم 10 إلى 15 ألف قتيل في مدينة واحدة بدارفور، بحسب خبراء الأمم المتحدة، وهو ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية العام الماضي (2024).
تقول سامية لـ"العربي الجديد": "فقدتُ ثلاثة من أشقائي، أحدهم قُتل في مدينة الجنينة، والثاني قُتل في العاصمة الخرطوم، والثالث انقطعت أخباره وسُجّل في عداد مفقودي الحرب". واضطرّت سامية وباقي أفراد أسرتها إلى قطع المسافة بين مدينة الجنينة والحدود التشادية، سيراً على الأقدام، إلى أن وصلوا إلى مخيم "مِجِي" الذي يقع وسط منطقة قاحلة شبه صحراوية تفتقر لكل الخدمات الضرورية للحياة. تتابع سامية: "نعيش في مخيم لا توجد فيه سوق لشراء خراف الأضاحي أو ملابس العيد، كل همنا الحصول على مياه الشرب وقطعة خبز نسدّ بها رمق الجوع الذي يقبع بين ضلوع الأطفال والنساء لأكثر من عامين. أمّا العيد فأصبح يمثل ذكرى حزن وألم يعتصر قلوبنا. نبكي عندما نجتمع، إذ ليس بيننا مَن لم يُقتل أفراد من أسرته. أرجأنا الفرح والاحتفالات بالأعياد إلى أن تتوقف الحرب وتُضمّد الجراح وتجفّ المآقي من الدموع، وقتها نستطيع أن نحتفل بالعيد ونتذوق طعم شيّ الأضاحي وغيرها، كما كنا نفعل".
وتستطرد سامية بالقول: "لا تملك الأسر في مخيم مِجِي أي وسيلة دخل، وتعتمد كليّاً على المساعدات النقدية المقدّمة من برنامج الأغذية العالمي، والتي تعادل قيمتها نحو 22 ألف جنيه سوداني للفرد الواحد، أي أقل من 10 دولارات أميركيّة (الدولار الواحد يساوي نحو 2790 جنيها سودانيا). وحتى هذه المساعدات، رغم محدوديّتها، توقفت في شهر مارس/آذار الماضي، وتبحث النساء والأطفال حاليّاً عن كسرة خبز وقطرة ماء في المخيم الذي لا تتوفر فيه مصادر مياه الشرب، وتختفي أي فرحة بقدوم العيد. الجميع يشعر بالجوع والعطش، وما زالت مشاهد الموت ترافق الجميع". 

من جهتها، تصف فاطمة إسحاق من مخيم "أبو تنقي" شرق تشاد، مشاعرها بالمأساوية، وتقول لـ"العربي الجديد": "قطعنا المسافة بين تشاد والسودان سيراً على الأقدام، البعض منا ترك جثث أفراد أسرته في العراء، وآخرون دفنوا آباءهم وأمهاتهم الذين قضوا أثناء رحلة الفرار، في قبور ضحلة بالثياب الممزقة التي كانوا يرتدونها، وحاليّاً نقيم في خيمٍ مهترئة صنعناها من المواد المحلية، من العشب وخشب الأشجار، فيما ننام على الأرض، لا نملك أسِرّة ولا فرشاً ولا بطانيات، وقلة منا تمتلك مشمعات بلاستيكية تغفو عليها خلال الصيف وتكتسي بها من البرد خلال الشتاء".
تضيف فاطمة: "لا نشعر بالعيد إطلاقاً، ولا توجد أي تجهيزات في المخيم. نحتاج للطعام ومياه الشرب، والأهم نتوق للأمان. نحن النساء لو خرجنا من المخيم لجمع الحطب أو لجلب الماء نتعرض للاغتصاب من سكان القرى المجاورة. حياتنا مهدّدة كما كانت في السودان".
بالوتيرة ذاتها، يتحدّث الصادق آدم، الأب لثلاث فتيات وخمسة أولاد، قائلاً لـ"العربي الجديد": "قُتل شقيقي الأكبر وثلاثة من أبناء أعمامي، حُرقت قريتنا بالكامل في ولاية وسط دارفور، ولم نتمكن من الوصول إلى تشاد إلا بعدما انقطعت أنفاسنا، إذ قضينا 45 يوماً نسير على أقدامنا، وعندما وصلنا إلى الحدود كنا نشتهي الطعام الذي حُرمنا منه لأيامٍ عدة، بينما كنا نتقاسم مياه الشرب بكوب الشاي، حتى لا ننقطع من المياه قبل وصولنا لأقرب منطقة سكنية".
ويشرح الصادق، وهو اللاجئ حاليّاً في مخيم "علاشا" شرق تشاد، أنّ أوضاع اللاجئين لا تسمح لهم بتذكّر العيد نهائيّاً، "ما زلنا كلما اجتمعنا نستذكر أحبّة فقدناهم، وتغلبنا الدموع والبكاء الشديد، لذلك فإنّ العيد بالنسبة لنا هو يوم للحزن وليس يوماً للفرح. الألم والأسى يعتصران قلوبنا، نرى أطفالنا يتضوّرون جوعاً كل يوم، ولا نجد طعاماً لهم".
بدوره، يصف يعقوب جبريل من مخيم "أم خروبة" شرق تشاد، أوضاع اللاجئين بأنها غير مناسبة للاحتفال، ويقول لـ"العربي الجديد": "نعاني القهر والجوع، وأقصى طموحنا الحصول على قطعة خبز، فكيف لنا أن نفكر في ذبح الأضاحي وتوزيع الكعك والحلويات. هذا ترف لا نطمح إليه طالما نقبع في مخيمات اللجوء. أملنا الوحيد أن تتوقف الحرب، وأن نعود لأهلنا وديارنا لنحتفل بالأعياد معاً".

ويشير يعقوب إلى أن المخيمات بحد ذاتها غير مُصمّمة لخلق بهجة في العيد، ويضيف: "لا توجد أسواق في المخيمات تُعرض فيها خراف الأضاحي وحلويات العيد والملابس الجديدة، ليس هناك من يخاطر بنقل تجارته إلى المخيمات التي تفتقر لأبسط مقوّمات الحياة. فقد هربنا من أهوال الحرب والقتل ووجدنا أنفسنا في مخيمات معزولة، غير متصلة بالحياة. لذلك من الاستحالة أن تجد لاجئاً يستعدّ للاحتفال بالعيد".
أمّا سمر عبد المتعال، التي نزحت بدايةً إلى مخيم "زمزم" القريب من مدينة الفاشر بإقليم دارفور، والتي تتعرّض لحصار مُحكم من قوات الدعم السريع، فتقول لـ"العربي الجديد": "ليست المرة الأولى التي أُحرم فيها طعم العيد، فمنذ أن غادرنا قريتنا ونزحنا داخليّاً إلى مخيم "زمزم" قبل أن تجتاحه قوات الدعم السريع في إبريل/نيسان الماضي، فقدتُ الإحساس بالعيد تماماً". وتضيف سمر، اللاجئة حاليّاً في مخيمٍ صغير يقع غرب كمبالا، عاصمة أوغندا، أنّ "اللاجئين يبحثون عن المواد الغذائية في ظل نفاد مدخراتهم وعدم وجود فرص عمل في أوغندا، لذلك فإنّ الاحتفالات بالعيد وإنفاق الأموال في شراء الأضاحي هي ترف لا طاقة لهم عليه".
تحلم سمر بنهاية قريبة للحرب، كي تعود إلى قريتها في السودان، حيث ستعاود زرع أرضها ومشاركة جيرانها وأسرتها فرحتها بالعيد، بالطريقة التي كانوا يحتفلون بها سابقاً. وتضيف بغصّةٍ وبكاءٍ صامت: "قبل سنوات كانت لدينا أرض نزرعها وكانت لدينا ماشية نضحّي بها، كانت حالنا مستورة، واليوم تفرّقنا بين المنافي؛ والدي وإخوتي في تشاد وأنا وشقيقتي ووالدتنا في أوغندا وشقيقاتي المتزوجات نزحن إلى منطقة جبل مرة، هرباً من انتهاكات قوات الدعم السريع". وتختم بالقول: "أشتاق لجمع أسرتنا كما كنا في السابق، وأحلم بأن يأتي العيد المقبل ونحن معاً، نخرج لصلاة العيد ونعود إلى منزلنا حيث نوزّع الحلوى على الجيران".

لا يقلّ حزن زُحل خميس من مخيم "كلمة"، القريب من مدينة نيالا بإقليم دارفور، عن باقي أحزان اللاجئين والنازحين، وتقول لـ"العربي الجديد": "لم نقم بأيّ تجهيزات لعيد الأضحى، حيث إن العائلات النازحة في المخيم والتي يتجاوز عددها ستين ألف عائلة، ستهرع لشراء الطعام والدواء، في حال توفرت الأموال والمساعدات". وتخبر أنّ "النازحين لا يعملون، إنما خسروا ممتلكاتهم ومدخراتهم قبل وصولهم إلى المخيم، وبينهم أسر نازحة منذ اندلاع الحرب في إقليم دارفور في عام 2003، ولحقت بهم عائلات نازحة فرّت من تداعيات حرب العام 2023. ولولا بعض التكايا التي تقدم فيها وجبات بسيطة لكان الآلاف لقوا حتفهم نتيجة الجوع الشديد. الجميع يريد الطعام لا الفرح حاليّاً، ونتمنى أن تتوقف الحرب لنعود إلى حياتنا السابقة". وتشير زُحل إلى "معاناة 779 طفلاً من سوء التغذية في مخيم "كلمة"، وتقول: "لو وجدنا الأموال لاشترينا لهم الطعام عوض ذبح الأضاحي وشراء الملابس الجديدة".

ومن المفارقة أن النازحين بالداخل واللاجئين بالخارج، يشتركون في عزوفهم عن الاحتفال بالعيد، ويقاسون سوء الأوضاع المالية والحزن على فقدان أحبّةٍ وأقارب. وتصف سامية كوكو الوضع في عشرين مخيماً في تشاد بـ"المُزري"، وتقول لـ"العربي الجديد": "بعد توقف الإعانات النقدية منذ ثلاثة أشهر، وصلتنا خطابات بوقف الإعانات رسمياً، وهو ما يعني الحكم على آلاف النساء والأطفال بالموت جوعاً، وفي مثل هذه الظروف القاهرة، لا يفكر اللاجئون إلا في قطعة خبزٍ ويحلمون بانتهاء الحرب والعودة إلى قراهم ومدنهم وحياتهم الطبيعية".
بالنسبة للسودانيّين الذين تشتتوا في المنافي وفي خيام النزوح الداخلي، لم تعد للحياة برمّتها أي قيمة، إلا إذا اقترنت بأمل العودة لديارهم والعيش بكرامة عوض الذلّ والإهانة، وفق قول سامية، التي ترى أنّ "العيد بالنسبة لآلاف اللاجئين فقدَ نكهته وطعمه. إذ إن آلاف النساء والأطفال يفترشون أرض المخيمات ليلاً، حيث لا توجد أي مستلزمات للحياة ولا مدارس ولا مستشفيات في أغلب المخيمات، وهو ما يجعل التفكير في العيد وتجهيز الأضاحي أمراً في غاية الاستحالة للاجئين يعيشون هذه الظروف المريرة".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows