
في ظل تداعيات الحرب التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة، يبدو أن سوق العمل الكندية بدأت تشعر بثقل الضغوط الاقتصادية، إذ سجل شهر أيار/مايو الماضي، تباطؤاً واضحاً في التوظيف، وارتفاعاً في معدلات البطالة، رغم بعض المؤشرات الإيجابية التي تعكس مقاومة محدودة في بعض القطاعات. وبحسب بيانات هيئة الإحصاء الكندية، فقد أضاف الاقتصاد الكندي نحو 8,800 وظيفة جديدة خلال الشهر، وهو رقم خجول مقارنة بتطلعات المحلّلين الذين كانوا يتوقعون خسارة تفوق 12,000 وظيفة.
إلّا أن هذا الرقم لا يخرج عن إطار الركود العام في سوق العمل، إذ لم يشهد الاقتصاد أي نمو فعلي في الوظائف منذ الطفرة المسجلة في يناير/كانون الثاني الماضي. وقد يُفسر الضعف في قطاع التصنيع أيضاً سبب بقاء إجمالي عدد ساعات العمل دون تغيير في مايو/أيار مقارنة بالشهر السابق، رغم أنها ارتفعت بنسبة 0.9% مقارنةً بالعام الماضي.
وتشير الأرقام إلى أن معدل البطالة ارتفع إلى 7%، وهو الأعلى منذ عام 2016 باستثناء سنوات الجائحة، وذلك رغم تباطؤ ملحوظ في نمو عدد السكان. ويعكس هذا الارتفاع الفجوة بين توسع القوة العاملة والتباطؤ في وتيرة التوظيف، واللافت أن القطاع الخاص تمكّن من تعويض جزء من خسائره، بإضافة نحو 60,600 وظيفة، معظمها بدوام كامل، لا سيّما في مجالات التجارة والخدمات والترفيه والتمويل.
وشهدت وظائف الخدمات نمواً، مع زيادة جماعية بنحو 43,000 وظيفة في تجارة الجملة والتجزئة، في وقت يجري فيه الترويج لحملات "اشترِ الكندي" ردَّ فعل على السياسات التجارية الأميركية. وسُجّل نمو أيضاً في وظائف الثقافة والترفيه، وكذلك في مجالات مثل التمويل والعقارات والمرافق. وقد دعمت حملات "اشترِ الكندي" هذا التعافي، خصوصاً في قطاعات البيع بالتجزئة، لكن في المقابل، لا تزال القطاعات الصناعية، خصوصاً التصنيع والنقل، تنزف الوظائف. فقد خسر قطاع التصنيع حوالى 55,000 وظيفة خلال الأشهر الأربعة الماضية، بينما تراجع التوظيف في مجال النقل والتخزين بأكثر من 15,000 وظيفة في أيار/مايو وحده، في مؤشر على انتهاء موجة تخزين البضائع التي سبقت فرض الرسوم الجمركية الأميركية.
ومع ذلك، فإن الصناعات التي تعرضت مباشرة للتعرِفات الجمركية المفروضة من إدارة ترامب بدأت تفقد الوظائف، وقد تراجع التوظيف في مايو/أياربسبب فقدان 32,000 من العاملين في الإدارة العامة الذين جرى توظيفهم مؤقتاً خلال الانتخابات الفيدرالية في إبريل/نيسان. ويبدو أن التهديدات الأميركية بفرض رسوم على قطاع السيارات قد بدأت تؤتي أثرها، لا سيّما في المدن الصناعية في أونتاريو مثل ويندسور وأوشاوا وتورنتو، إذ سُجلت أعلى نسب بطالة في البلاد، بحسب ما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال".
سياسة نقدية حذرة... وتوقعات غير مؤكّدة
قرّر البنك المركزي الكندي هذا الأسبوع الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير، مكتفياً بمراقبة التطوّرات. ورغم تلميحاته إلى وجود "ليونة" في أداء الاقتصاد، إلّا أنه لم يجد مبرّراً كافياً لاتخاذ خطوات جديدة. ومع ذلك، فإن التراجع المستمر في التوظيف قد يدفعه لاحقاً إلى خفض الفائدة إذا ما ظهرت مؤشرات على تباطؤ أشد أو خطر ركود فعلي، والمؤشرات الأولية من السوق توحي بأن الشركات بدأت بإعادة تقييم خطط التوظيف والاستثمار، في ظل تصاعد الغموض التجاري وضعف الطلب المحلي.
وبحسب صحيفة "وول ستريت"، تتوقع كبيرة الاقتصاديين في بنك RBC كلير فان، أن تبقى الاضطرابات التجارية عائقاً مستمراً، لكن تدهور سوق العمل سيظل محدوداً، وترجح أن يبلغ معدل البطالة ذروته فقط على نحوٍ طفيف فوق مستوى 7% المُسجّل في مايو/أيار. أما مايكل دافنبورت من مؤسّسة أكسفورد إيكونوميكس، فقال إنّه يعتقد أن كندا دخلت بالفعل في حالة ركود، وأنه سيتوسع قريباً ليشمل قطاعات أخرى، ما سيدفع معدل البطالة إلى حوالى 7.5% بحلول نهاية العام، وتشير نيّات التوظيف الضعيفة إلى أن معدل البطالة في كندا قد يرتفع أكثر في الأشهر المقبلة، رغم أن آراء الاقتصاديين تختلف حول مدى ارتفاع هذا المعدل وكيفية استجابة البنك المركزي.
شباب كندا في عين العاصفة
القلق لا يتوقف عند حدود سوق العمل العامة، بل يطاول أيضاً فئة الشباب، فبداية موسم الوظائف الصيفية جاءت مخيبة، إذ قفز معدل بطالة الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً إلى أكثر من 20%، بزيادة قدرها 3.2 نقطة مئوية مقارنة بالعام الماضي. وبحلول مايو/أيار، كان هناك حوالى 1.6 مليون كندي عاطل عن العمل، كما أظهرت بيانات مُستقاة من مواقع التوظيف أن إعلانات الوظائف الموسمية انخفضت بنسبة 22%، وهو ما يشير إلى موسم صيفي صعب للباحثين عن فرص عمل مؤقتة، مثل الحراس والمنقذين والرسامين والعاملين في المعسكرات الصيفية.
ووفقاً للبيانات، فإنّ مدة البحث عن وظيفة في كندا باتت أطول، ففي مايو/أيار بلغ متوسط مدة البطالة 21.8 أسبوعاً، مقارنة بـ18.4 أسبوعاً في الفترة نفسها من العام الماضي، ما يعكس صعوبة متزايدة في دخول سوق العمل. ورغم بعض الإشارات المشجعة، يبدو أن سوق العمل الكندي يسير على حبل مشدود، وسط صراع بين محاولات الانتعاش والتأثيرات السلبية للتوترات التجارية. ومع استمرار نزف الوظائف في قطاعات حيوية، فإنّ المخاوف من تصاعد البطالة وتحولها إلى أزمة أوسع لا تزال قائمة، خصوصاً في حال استمرت الشكوك المحيطة بالسياسات الأميركية وركود الطلب العالمي.

Related News



