
(بيروت، 5 حزيران/يونيو 2025) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن غارة بمسيّرة شنتها تركيا أو فصائل سوريّة تدعمها تركيا قتلت سبعة أطفال أكراد، وشقيقتهم البالغة من العمر 18 عاما، ووالديهم – يبدو أن جميعهم مدنيون. تثير الغارة مخاوف من ألا يكون المنفذين قد اتخذوا جميع الاحتياطات الملائمة لتقليص الأذى على المدنيين.
قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "حتى بوجود هدف عسكري قريب، كان على القوات المسؤولة عن الغارة فعل كل ما يمكن لتقليص الأذى اللاحق بالمدنيين. نظرا إلى الخسائر الفادحة التي تكبّدتها أسرة واحدة، يبدو أن منفذي الغارة لم يتخذوا تدابير كافية لتجنّب المدنيين".
هذه الغارة، التي يُحتمل ألا تكون قانونية، تثير القلق بشأن الانتهاكات المستمرة في سوريا، لا سيّما مع دمج الحكومة الجديدة قوات ذات سجل سيئ، وبشأن استمرار الدعم التركي لهذه الجماعات. إنها تذكير واضح بأن الأعمال العدائية ما تزال تحصد أرواح المدنيين في سوريا.
في 10 مارس/آذار، وقّع الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية والمدعومة من الولايات المتحدة، اتفاقا لدمج قواته في الجيش السوري وعودة النازحين.
في 16 مارس/آذار، أسقطت مسيّرة قنابل تركية الصنع على مزرعة بالقرب من قرى تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، إلى الجنوب من كوباني، فأودت بحياة الأسرة. تقع المزرعة قرب خطوط التماس، وتضم مناطق كانت سابقا تحت سيطرة فصائل من "الجيش الوطني السوري" السابق تدعمها تركيا. لم ينجُ من الأسرة غير طفلة في سن التاسعة. ما تزال فصائل عدة تابعة لـ الجيش الوطني السوري، التابعة الآن لوزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية، ناشطة في هذه المنطقة.
قابلت هيومن رايتس ووتش مالك المزرعة، وثلاثة جيران كانوا شهودا على آثار الهجوم، وناشطا حقوقيا محليا. وحلّل الباحثون 21 صورة وفيديو قدمها السكان ونشروها على الإنترنت، منها مقاطع مصورة للانفجار، وإجلاء الضحايا، وصور للدمار، وبقايا الذخيرة، وملابس ملطخة بالدماء.
قال مالك المزرعة، شيراز قامشلو (33 عاما) إنه وظّف عثمان عبدو (44 عاما) كعامل مقيم في المزرعة الواقعة على بعد 25 كيلومتر جنوب كوباني، قبل الغارة بـ 10 أيام. وقال قامشلو إن عبدو لم تكن لديه أي صلات معروفة بجماعات كردية مسلحة.
قال مالك المزرعة وثلاثة جيران إن المزرعة تبعد نحو 15 كيلومتر عن قاعدة عسكرية، تتشاركها قوات من الجيش السوري السابق وقوات تركية. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد الموقع المحدد للقاعدة.
قال حليم أحمد، الذي يقيم على بعد كيلومتر واحد شمال المزرعة التي يفصله عنها حقل، إنه سمع قبل منتصف الليل بنحو 20 دقيقة صوت مسيّرة، ثم العديد من "الانفجارات المدوية" من جهة القاعدة العسكرية. قال: "بعد ذلك بدقيقتين، أصابت قنبلة الوادي حيث تقع المزرعة".
كذلك قال عقيد خاشوم، وهو مقيم في مبنى مجاور لمبنى حليم، إنه سمع صوت المسيّرة وما يعتقد أنه "قصف مدفعي" من جهة القاعدة، تبعه صراخ أطفال. قال إن القصف والغارة بالمسيّرة استمرا 15 دقيقة تقريبا.
قال أوجلان أحمد، وهو جار آخر، إنه سمع "انفجارات" ورأى النيران تشتعل في المزرعة. وأضاف: "بعد دقائق قليلة، سمعت صوت قصف المسيرة على الوادي. بعد ذلك، لم أعد أسمع أي أصوات".
في فيديو قال أحد الجيران إنه صوّره من مكان مرتفع في اتجاه المزرعة، يمكن رؤية المصابيح الأمامية للسيارات، وسحابة دخان، وانفجارا بعيدا. يتوافق شكل القمر وموقعه مع توقيت الغارة وتاريخها.
بعد ذلك بقليل، أتى رجل على دراجة نارية من جهة المزرعة، وأخبر أوجلان وحليم بالإصابات. قال كلاهما إن هذا الرجل هو جار عبدو وكان يزور الأسرة، لكنهما لا يعرفانه شخصيا.
أسرع حليم وأوجلان إلى موقع الغارة، فوجدا الأسرة في الحقل بين منزلهم والمزرعة – يُفترض أنهم كانوا يهربون من الغارة الأولى. اثنان من الأسرة فقط كانا على قيد الحياة، توفي أحدهما لاحقا في المستشفى. قال خاشوم: "كانت مجزرة".
الضحايا هم: عثمان بركل عبدو (44 عاما)؛ وغزالة عثمان عبدو (41 عاما)؛ ورونيدا (18 عاما)؛ وآهين (14 عاما)؛ ودجلة (12 عاما)؛ وياسر (7 أعوام)؛ وصالحة (5 أعوام)؛ وفواز (4 أعوام)؛ وآفيستا (9 أشهر). الناجية الوحيدة، نارين (9 أعوام)، مصابة بشظايا معدنية في رِجلها، ورأسها، وبطنها.
Click to expand Image قرويون وسكان من كوباني متجمعون لدفن 10 أفراد من عائلة عبدو، الذين قتلوا جميعا في غارة بمسيّرة، في مارس/آذار 2025. © 2025 خاصيظهر في فيديو وثماني صور تمت مراجعتها جثث خمسة أطفال على الأقل مضرّجة بالدماء، وامرأة، ورجل يشبه عثمان عبدو.
كانت رونيدا التحقت بـ "الأسايش"، قوة الشرطة الكردية في شمال شرق سوريا، في منتصف 2024.
حللت هيومن رايتس ووتش فيديو لبقايا ذخيرة في موقع الغارة، ووجدت أنها تتفق مع كونها أجزاءً من قنبلة MAM-L الموجهة بالليزر تركية الصنع، التي تُطلَق من مسيّرات وتُوَجَّه بباحث ليزر شبه نشط – ما يشير إلى أن المشغّل يستطيع مراقبة الغارة بشكل مباشِر. يظهر في صور للدمار توزُّعٌ منتظم للأضرار، ما يتوافق مع كون الذخيرة مجهزة بشظايا مُدمجة فيها لتعزيز تأثيرها المسبب للإصابات، لا سيما ضد الأفراد غير المحميين في العراء.
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد ما إذا كانت أي قوات مسلحة بقيادة كردية موجودة في المزرعة تلك الليلة. قال كل من قامشلو، والجيران، والناشط إن أقرب موقع لـ قوات سوريا الديمقراطية يبعد نحو 15 إلى 20 كيلومتر، وإنهم لم يروا أي دليل على وجود قوات مسلحة في المزرعة أو أي رد على النيران. الصور والفيديوهات التي تمت مراجعتها لم تُظهر أي جنود أو عتاد عسكري أو أسلحة ضمن الركام.
القانون الإنساني الدولي يمنع الغارات المتعمدة ضد المدنيين والأعيان المدنية، أو تلك العشوائية، أو التي تلحق أذى غير متناسب بالمدنيين. يتمتع المدنيون بحصانة ضد الهجمات، إلا في حال مشاركتهم المباشِرة في الأعمال القتالية. خلال تنفيذ العمليات العسكرية، على أطراف النزاع الحرص دائما على تجنيب المدنيين والأعيان المدنية آثار الأعمال القتالية. يُفرَض على أطراف النزاع اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليص الأذى اللاحق بالمدنيين والأعيان المدنية، في حالتَي الهجوم والدفاع على حد سواء. كما عليها إلغاء أي هجوم أو تعليقه إذا ما توصلت إلى أن الهدف ليس من الأعيان العسكرية، أو أن الهجوم قد يُلحِق أذى غير متناسب بالمدنيين.
إذا كان الجيش التركي هو من شنّ هذه الغارة، تتحمل تركيا المسؤولية كاملةً. أما إذا كانت فصائل من الجيش الوطني السوري السابق هي من شنتها، فالسلطات السورية تتحمل مسؤولية الانتهاكات التي ترتكبها قوات مُدمجة في الجيش، بالإضافة إلى مسؤولية منع الانتهاكات وضمان المحاسبة. تركيا، التي ما تزال تشرف على بعض فصائل الجيش السوري السابق، وتقدم إليها الأسلحة، والرواتب، والتدريب، والدعم اللوجستي، قد تتحمل أيضا مسؤولية انتهاكات هذه الفصائل.
ينبغي للحكومة السورية الانتقالية أن توحّد جيشها بشكل عاجل تحت قيادة خاضعة للمساءلة وإشراف مدني، وضمان الالتزام بالقانون الإنساني الدولي. ينبغي لها أيضا اتخاذ خطوات لمنع المزيد من الانتهاكات ضد الأكراد، وغيرهم من سكان شمال سوريا، والتحقيق في الانتهاكات عبر إجراءات قانونية عادلة. ينبغي لتركيا التوقف عن دعم القادة المنتهِكين والفصائل المنتهِكة وتعويض الضحايا.
قال كوغل: "ينبغي لتركيا والسلطات السورية الانتقالية إجراء تحقيقات حيادية، وشاملة، وشفافة في الغارة. ينبغي لهما تعويض ضحايا أي غارة غير قانونية واتخاذ جميع التدابير الممكنة لتقليص الخسائر البشرية".