هل تتحقق "نبوءة جيرينوفسكي" للتصعيد بين الهند وباكستان؟
Arab
6 hours ago
share

في عام 2004، توقع الزعيم الراحل للحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، السياسي الشعبوي المثير للجدل فلاديمير جيرينوفسكي، اندلاع حرب نووية في شبه القارة الهندية قد تودي بحياة "ما لا يقل" عن 200 مليون شخص. اليوم تعود هذه "النبوءة" إلى الواجهة مع استمرار التصعيد بين الهند وباكستان بعد الهجوم الذي استهدف مدينة باهالغام الواقعة في الشق الهندي من إقليم كشمير المتنازع عليه في 22 إبريل/ نيسان الماضي وراح ضحيته 26 مدنياً.

وفي وقت تتابع فيه روسيا عن كثب تطورات الوضع في شبه القارة الهندية، وسط دعوات إلى التهدئة وتحذيرات من وقوع صدام مباشر بين قوتين نوويتين، تضع هذه الحلقة من التصعيد بين الهند وباكستان، روسيا في وضع حرج نظراً للزخم الكبير الذي تشهده العلاقات الروسية الهندية في السنوات الأخيرة، وهو ما يزيد صعوبة التزام موسكو بالحياد.

وكان لافتاً طوال الأيام الماضية إحجام الكرملين عن تقييم الوضع بين الهند وباكستان باستثناء تصريح مقتضب صدر عن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، الذي نفى، يوم الجمعة الماضي، تلقي روسيا أي طلبات رسمية للمساهمة في التسوية أو عزم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إجراء أي اتصالات مع قادة البلدين المتنازعين. دبلوماسياً، عقد نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو، مطلع الأسبوع الحالي، لقاءين منفصلين مع السفيرين الهندي لدى موسكو فيناي كومار، والباكستاني محمد خالد جمالي، داعياً خلالهما الطرفين إلى "ضبط النفس وحوار بنّاء يرمي إلى الحل السلمي للخلافات".

 

ليلى تورايانوفا: استمرار التصعيد بين الهند وباكستان ليس حتمياً نظراً لإدراك الطرفين مخاطره

مآلات التصعيد بين الهند وباكستان 

وعن الوضع القائم، اعتبرت الباحثة في مركز دراسات منطقة المحيط الهندي بمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية ليلى تورايانوفا أن استمرار التصعيد بين الهند وباكستان ليس حتمياً نظراً لإدراك الطرفين مخاطره، متوقعة في الوقت نفسه ألا تطرح روسيا مبادرات وساطة جدية مراعاة للموقف الهندي الرافض لتدويل قضية كشمير.

وقالت تورايانوفا في حديث لـ"العربي الجديد": "بحسب المصادر الهندية، فإن هجوم باهالغام نفذه مسلحو جبهة المقاومة التابعة لجماعة عسكر طيبة التي تتخذ من باكستان مقراً لها. نيودلهي توجّه أصابع الاتهام إلى إسلام آباد بدعم الجماعات الإرهابية الانفصالية التي تزاول أعمالها في كشمير، ولذلك تتخذ إجراءات حاسمة ضد من تعتبره راعياً للإرهاب بعد وقوع هجمات مثل هجوم باهالغام".

ومع ذلك، أقرت بأن مثل هذه الأعمال الحازمة لا تخلو من أهمية رمزية داخل البلاد لإظهار حزم القيادة الهندية في مكافحة الإرهاب والدفاع عن رعاياها، مستشهدة في ذلك بواقعة شن الطيران الحربي الهندي ضربة على مركز تدريب الإرهابيين التابع لـ"جيش محمد" داخل الأراضي الباكستانية بعد 12 يوماً من الهجوم الإرهابي في بولفاما الواقعة في الشق الهندي من كشمير والذي راح ضحيته 40 عسكرياً هندياً في عام 2019، من دون أن تستبعد احتمال شن الهند ضربات جوية دقيقة على أراضٍ باكستانية هذه المرة أيضاً، جازمة في الوقت نفسه أن الطرفين غير معنيين بمواصلة التصعيد.

وحول رؤيتها للدور الروسي المحتمل في التهدئة بين الهند وباكستان، قالت: "نيودلهي تعارض دوماً مشاركة القوى الخارجية في تسوية نزاعها مع باكستان التي تسعى في المقابل لتدويل قضية كشمير، داعية إلى إجراء تحقيق دولي مستقل في هجوم باهالغام. تدرك روسيا حساسية هذه القضية لشريكتها الهند، ولذلك لا تطرح مبادرات وساطة، ملخصة موقفها في ضرورة تسوية الخلافات بين الهند وباكستان بطرق سلمية حصراً".

مخاوف من صدام نووي

وفي وقت يثير فيه التصعيد بين الهند وباكستان مخاوف لدى الأطراف الإقليمية والدولية من وقوع أول صدام مباشر بين قوتين نوويتين في التاريخ، قلل الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية قسطنطين بلوخين من واقعية مثل هذا السيناريو نظراً لما يشكله امتلاك الطرفين سلاحاً نووياً من عامل ردع لا تصعيد، وفق اعتقاده.


قسطنطين بلوخين: امتلاك البلدين سلاحاً نووياً يشكل عامل ردع لا تصعيد

وقال بلوخين في حديث لـ"العربي الجديد": "على الرغم من الضجة الإعلامية المثارة حول التصعيد بين الهند وباكستان، إلا أن احتمال اندلاع نزاع واسع النطاق بين الهند وباكستان باستخدام السلاح النووي لا يبدو كبيراً، إذ إن توفره بين أيدي طرفي النزاع يشكل عامل ردع، خصوصاً أن إسلام آباد ونيودلهي لديهما إرادة سياسية لاستخدامه إذا اقتضى الأمر للرد على الطرف الآخر، وهو ما سيؤدي حتماً إلى وقوع كارثة نووية كبرى".

وجزم أن مخاطر التصعيد العسكري في الشرق الأوسط أعلى منها مقارنة مع شبه القارة الهندية، مضيفاً: "على عكس طهران، تمتلك الولايات المتحدة وإسرائيل أسلحة نووية، معتبرتين إيران دولة بلغت عتبة إنتاج السلاح النووي، فاحتمال وقوع نزاع في هذه المنطقة يبدو أعلى قياساً بالوضع بين الهند وباكستان". وحول رؤيته للدور الذي قد تؤديه موسكو للتهدئة بين الهند وباكستان، قال: "صحيح أن موسكو لها علاقة متطورة للغاية مع الهند، ولكنني لا أتوقع أن يكون دور موسكو حاسماً لتسوية الأزمة، بل تكتفي بحثّ كافة الأطراف المعنية على خفض التصعيد والتوتر".

من جهتها، تساءلت صحيفة فزغلياد الإلكترونية الموالية للكرملين في مقال بعنوان "على الهند وباكستان الإصغاء لنبوءة جيرينوفسكي"، حول ما إذا كان الهجوم في الهند سيتطور إلى حرب واسعة النطاق مع باكستان، مستشهدة بـ"نبوءة" جيرينوفسكي الذي توفي عام 2022 وقد حذر في عام 2004 من حتمية وقوع حرب نووية بين الهند وباكستان. ورأت الصحيفة أن الهند وباكستان بلغتا في غضون أيام مستوى من التصعيد لم تبلغه روسيا مع الغرب في أوكرانيا خلال ثلاث سنوات مما تراوح مسمياته بين "الحرب الهجينة" و"حرب العقوبات" و"الحرب الباردة"، واصفة وتيرتها بأنها أقرب إلى "سلحفاة" مقارنة مع التصعيد بين الهند وباكستان الذي شمل الإغلاق المتبادل للأجواء أمام حركة الطيران، والوقف الكامل للتجارة، وإغلاق الحدود، وطرد مئات الدبلوماسيين، وإلغاء عشرات الاتفاقيات ومئات آلاف التأشيرات مع منح حَمَلَتها مهلة مدتها ثلاثة أيام فقط للمغادرة. وحذرت "فزغلياد" من مغبة تمكن الإرهابيين من التحكم في أعمال دولتين نوويتين وخروج تطورات الأحداث والتصعيد عن السيطرة.

يذكر أن الهند وباكستان وكوريا الشمالية انضمت رسمياً إلى "النادي النووي" بحكم الأمر الواقع بعد إجرائهما اختبارات لأسلحة نووية بعد تبني معاهدة منع انتشار السلاح النووي في عام 1968، بعد أن كان امتلاك الأسلحة النووية محصوراً في الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن المنتصرة في الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، وهي الاتحاد السوفييتي حينها والولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا، مع بقاء وضع إسرائيل غامضاً حتى اليوم نظراً لعزوفها عن تأكيد امتلاكها سلاحاً نووياً أو نفيه.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows