دمشق و"قسد"... أكثر من خطوة إلى الوراء
Arab
6 hours ago
share

واجه اتفاق العاشر من مارس/ آذار الماضي، الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع مع رئيس قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، الأسبوع الماضي، أول امتحان جدي بين دمشق و"قسد" وضعه على محك التطورات. وبدأ الموقف بالعودة إلى ما كان عليه لجهة الاستنفار العسكري في مناطق التماس بين قوات الطرفين وخاصة في منطقة سد تشرين بريف حلب، الذي كان من المقرر أن تتسلمه الدولة، لكن "قسد" أصرت على الشراكة الأمنية والإدارية، الأمر الذي انعكس سلباً على تنفيذ بقية بنود التفاهمات الخاصة بحيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، والخاصة بالإفراج عن محتجزين لدى الطرفين، وانسحاب "قسد" وعناصر الأمن التابعة لها باتجاه محافظة الرقة. يتمثل الامتحان الذي واجهه الاتفاق بين دمشق و"قسد" والتفاهمات بين الطرفين بالمؤتمر الذي عقده حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي تحت عنوان "وحدة الموقف والصف الكردي"، والذي انتهى إلى مخرجات ملخصها "صياغة رؤية سياسية كردية مشتركة، تُعبّر عن إرادة جماعية ومشروع واقعي لحل عادل للقضية الكردية في سورية، كدولة ديمقراطية لامركزية"، حسب ما جاء في البيان الختامي السبت الماضي.
واجهت الدولة البيان الصادر عن الاجتماع برد سريع جاء في عدة نقاط. ويبدو من قراءة ما بين السطور أن دمشق ترى في البيان الكردي، نقطة الماء التي أفاضت الكأس، حيث اعتبرت أنه محاولة لتعطيل اتفاق 10 مارس الماضي، الذي تم بوساطة ورعاية أميركية. وتحدث بيان رئاسة الجمهورية عن انقلاب على اتفاق مارس، وأن المؤتمر الكردي قوضه، كونه اعتبر الرؤية التي خرج بها "أساساً للحوار الوطني" بين القوى الكردية ومع الإدارة الجديدة في دمشق.

تفيد أوساط قريبة من الحكومة بأن أطراف البيان الكردي تلعب ورقة كسب الوقت

وحسب القراءة الرسمية، فإن البيان وضع سقفاً للحوار أعلى من تفاهمات بيان 10 مارس الماضي، ويتجاوزها إلى المطالبة بعدة نقاط تعد من الخطوط الحمراء بالنسبة للدولة السورية، ومنها اللامركزية، التي فسرها بيان الرئاسة بأنها تعني الفيدرالية التي "تُكرّس واقعاً منفصلاً على الأرض، تتعارض بشكل صريح مع مضمون الاتفاق وتهدد وحدة البلاد وسلامة ترابها"، والتقسيم الإداري الذي يشكل "محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة"، وتفكيك ما يسمى بـ"الحزام العربي"، في المنطقة الحدودية مع تركيا، والخاص بإعادة إسكان أهالي القرى التي غمرها سد الفرات خلال فترة إنشائه مطلع سبعينيات القرن الماضي. ورأت الرئاسة أن هذه الدعوة تعبر عن "توجهات خطيرة نحو تغيير ديمغرافي في بعض المناطق، بما يهدد النسيج الاجتماعي السوري، ويُضعف فرص الحل الوطني الشامل".

بيان الرئاسة يلغي ما جاء في اتفاق دمشق و"قسد"

الخلفية الفعلية لتحرك الدولة هي أن البيان يلغي ما جاء في اتفاق دمشق و"قسد" في مارس الماضي، ولا يبني عليه، وقد كانت حسابات الدولة تقوم على أساس أن ذلك الاتفاق هو الحل النهائي للمسألة الكردية في سورية، في حين أن "قسد" ترى فيه حلاً يخصها، ذلك الذي يتعلق بوضعها وحدها، ولا يشمل بقية تعقيدات القضية، التي تتوجب توحيد رؤية الأكراد من حولها، وعلى هذا ذهبت نحو عقد المؤتمر المذكور، الذي يجمع بعض القوى الحزبية الكردية، ويسقط من الحساب أطرافاً حزبية أخرى وقوى المستقلين الأكراد الذين يمثلون الأغلبية العظمى. والملاحظ أن طرفي المؤتمر لم يوجها الدعوة لهذه الأطراف، التي تتبنى وجهات نظر أخرى للحل ضمن إطار الدولة السورية، وليس على أساس الدعوة إلى "روج آفا"، التي تعتبر الجزيرة السورية غرب كردستان.

وتفيد أوساط قريبة من الحكومة بأن أطراف البيان الكردي تلعب ورقة كسب الوقت، وتراهن على متغيرات تضعف الدولة، وتعزز من موقف الأكراد للحصول على تنازلات أكبر، تتعلق بالقضايا الرئيسية، وفي المقدمة منها الحكم الفيدرالي، ولذلك حددت لتنفيذ اتفاق الشيخ مقصود ما بين ستة إلى سبعة أشهر، في حين أنه يمكن إنجازه بحدود أسبوعين على أقصى تقدير، فهو لا يتجاوز تبادل المحتجزين، وانسحاب "قسد"، وتسليم المقرات للدولة والمشاركة في الإدارة الأمنية. وكذلك الأمر بالنسبة الى دمج "قسد" بالجيش السوري، الذي تم تقييده بمهلة زمنية هي نهاية العام الحالي، وبالتالي لن يتم تبييض السجون وتسليم المقرات الأمنية في حلب، وكذلك لن تنسحب "قسد" من محيط سد تشرين، ولن تسلم آبار النفط والغاز للدولة، بل تراجعت حتى عن تسليم كميات من النفط الخام إلى النصف، وعادت للعمل بسياسة القبضة الحديدية في منطقة الجزيرة، وهذا يعني أنها تطالب بمقابل سياسي لكل خطوة من هذا القبيل، الأمر الذي يعقد الحل أكثر فأكثر كلما تم التقدم إلى الأمام، وذلك بالقياس إلى العدد الكبير من القضايا المعلقة، والتي تتطلب أن ترفع "قسد" يدها عنها، كالمعابر الحدودية ومطار القامشلي، ومؤسسات الدولة وإداراتها، بما في ذلك المدارس والمشافي واحتكار محاصيل الحبوب للتحكم بالأمن الغذائي.
المسألة معقدة

يبدو أن الحشد العسكري الذي تلا صدور البيان الكردي باتجاه سد تشرين هو تمهيد للتفاوض بالنار مع "قسد"

جولات المفاوضات بين دمشق و"قسد" في الحسكة، كشفت أن المسألة معقدة أكثر مما كانت تحسب أوساط رسمية، كانت تظن أن الوساطة الأميركية الفرنسية، بالإضافة الى التفاهمات بين الشرع وعبدي تكفي للذهاب إلى الأمام نحو تفكيك "قسد". ويذكر هنا أن هناك طرفاً في "الجيش الوطني"، كان يرى أن الحل الممكن الوحيد مع "قسد" هو خيار السلاح، الذي لوحت به تركيا، وعطله الشرع لصالح المفاوضات. ويبدو أن الحشد العسكري الذي تلا صدور البيان الكردي باتجاه سد تشرين هو تمهيد للتفاوض بالنار مع "قسد".

الأوساط القريبة من قوات سوريا الديمقراطية ترى أن اتفاق دمشق و"قسد" لا يزال ساري المفعول، لكنه يواجه عقبات. وترمي المسؤولية على التفسير الحكومي له. وتضرب مثالاً على ذلك الترتيبات التي حصلت بخصوص تسليم سد تشرين. وتقول إن اتفاق دمشق و"قسد" لا ينص على تسليم السد كلياً لقوات الحكومة، بل لإدارة مدنية تشارك فيها "قسد" على قدم المساواة، وأن تبقى قوات الطرفين بعيدة عنه بمسافة واحدة، تبلغ سبعة كيلومترات، وكل منهما تقف عند ضفة. وتضيف أن الخلل الذي حصل ناجم عن تقدم قوات "الجيش الوطني" إلى نقاط غير متفق عليها مما استدعى عودة "قسد"، في حين أن عمليات إدارة السد وتسييره وصيانته تسير بشكل جيد وتفاهم بين الطرفين. ورغم الخلافات عادت اللجان المشتركة للاجتماع في مدينة الطبقة، بهدف المتابعة وتصفية التوترات.

وتعتبر هذه الأوساط أن الحكومة تسرعت بإصدار البيان، وكان في وسعها أن تستقبل الوفد وتستمع لوجهة نظره، ومن بعد ذلك تحدد موقفها، خاصة أن طرفي اجتماع القامشلي اتفقا على مسألة الحوار مع دمشق سبيلاً للحل. وعلى هذا أكد عبدي أن "المؤتمر لا يهدف، كما يقول البعض، إلى التقسيم، لا بل على العكس تماماً، (يُعقد) من أجل وحدة سورية".

إلى ذلك، هناك عدة نقاط بمثابة علامات تميز الوضع الكردي في سورية، وهي: أولاً، ضرورة أن تفصل الدولة بين "قسد" وحقوق الأكراد السوريين، لأن قوات سوريا الديمقراطية تأسست على فكرة عابرة للقوميات، وباتت اليوم تتبنى طرح الزعيم الكردي رئيس إقليم كردستان العراق السابق مسعود البارزاني القائم على الفيدرالية، كما أنها طرف كردي هجين لا يمثل الأكراد جميعاً، وتركيبتها مختلطة من عرب وأكراد من الجزيرة، لكن أغلب قياداتها الفعلية كوادر في حزب العمال الكردستاني، ذي النفوذ على جزء من أكراد سورية، ويمثله في ذلك حزب الاتحاد الديمقراطي.

أطراف في "قسد" متضررة من الاتفاق

ثانياً، هناك أطراف من "قسد" متضررة من الاتفاق مع الدولة السورية، وهي تعمل بشتى الوسائل لإفشاله، وتطمح الى تفجير الموقف عسكرياً، لأن ذلك يخدم مصالحها، ويبعد إمكانية التوصل لحل سياسي، وهذه الأطراف هي القيادات التركية القادمة من الخارج، التي دخلت سورية على أساس اتفاق مع نظام بشار الأسد يقوم على محاربة الحراك الثوري السوري وتركيا. وهؤلاء يرفضون مغادرة سورية.

ثالثاً، الدولة تتفاوض حتى الآن مع "قسد" لوحدها، في حين أن الوضع يوجب عليها أن تنفتح على بقية الأطراف، في وقت يشكل فيه المستقلون الأكراد النسبة الأكبر من الحركة الكردية السورية، وقد تم إقصاء هؤلاء من قبل دمشق و"قسد" فلا الدولة الجديدة قبلت الالتقاء بهم، أو السماح لهم بعقد مؤتمرات يعلنون فيه مواقفهم، ولا حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الكردي وجهوا لهم الدعوة لحضور اجتماع القامشلي، وقد آن الأوان أن تنظم هذه الكتلة نفسها وتعلن عن موقفها من الحل، وهو ما يمكن أن يضع حل المسألة الكردية على طريق مستقيم وفي صورة نهائية.

رابعاً، مظلوم عبدي ليس الرجل الأقوى داخل "قسد"، وهو يعمل على لم شمل جميع الأطراف تحت خيمة قوات سوريا الديمقراطية، وقد ظهر في الآونة الأخيرة وهو يحاول إرضاء البارزاني، الذي يقف وراء المجلس الوطني الكردي، وكسب ود السلطات السورية الجديدة، وتجنب الصدام مع تركيا.
خامساً، القضية الكردية تمثل تراكمات كثيرة من الحكم السوري السابق، منذ تسلم حزب البعث للسلطة عام 1963، وحلها يحتاج إلى رؤية وطنية واحدة تقوم على القواسم المشتركة ضمن سورية موحدة، ولكن ليس على أساس إقصاء الأكراد، ولا منحهم حقوقاً لا يستحقونها، خصوصاً السيطرة على أراض عربية في محافظات أخرى، بعيداً عن مناطقهم التاريخية. ثم إن اثارة قضية ما يسمى بالحزام العربي تفتح ملفات الهجرات الكردية التي جاءت من الخارج، وخصوصاً من تركيا.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows