
بعد مرور أكثر من شهر على بدء العمليات العسكرية الأميركية في اليمن، والتي تتركز بغارات شبه يومية على مواقع عسكرية للحوثيين بذريعة تقويض قدرة الجماعة على شن عمليات تستهدف السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فإن الحوثيين يعلنون على نحو متكرر مهاجمة حاملات الطائرات الأميركية في المنطقة، إلى جانب إسقاط المسيّرات الأميركية، والتي ارتفع عددها إلى 12 منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023. كما يعلن الحوثيون وإن على فترات متباعدة إطلاق صواريخ باليستية باتجاه أهداف عسكرية إسرائيلية في الأراضي المحتلة.
وتشكل الترسانة العسكرية المتطورة لدى الحوثيين مصدر قلق للأميركيين، وسط تساؤلات حول مصدر الأسلحة المتقدمة التي تحصل عليها الجماعة. وإذا كانت أصابع الاتهام توجه منذ سنوات لإيران بالضلوع المباشر في تهريب الأسلحة ومكونات الصواريخ للجماعة، فإنه يبدو أن هناك مصدراً آخر للتسليح، وتحديداً من خلال الاستحواذ على أسلحة أميركية الصنع تركتها القوات الأميركية خلفها في أفغانستان لدى انسحابها في 31 أغسطس/ آب 2021، بحسب ما تظهر تقارير صحافية أميركية، حيث يحتل ملف الضربات على اليمن جزءاً من النقاشات اليومية وسط تساؤلات حول فعاليتها أيضاً.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن، في 15 مارس/ آذار الماضي، إطلاق هجوم مكثف على الحوثيين. وقال في بيان إعلانه بدء الهجمات "إلى جميع الإرهابيين الحوثيين: وقتكم قد انتهى، ويجب أن تتوقف هجماتكم بدءاً من اليوم، وإذا لم تفعلوا فسينهال عليكم الجحيم كما لم تروا من قبل". مع العلم أن الجماعة كانت قد أعلنت بدء استهداف السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى غزة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 في إطار ما سمته معركة الإسناد لغزة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع.
أسلحة أميركية من أفغانستان إلى الحوثيين
وأشار موقع "مودرن دبلوماسي" الأميركي، في تقرير نشره أول من أمس الأربعاء، إلى أن انسحاب القوات الأميركية الفوضوي من أفغانستان في 31 أغسطس/ آب 2021، أدى إلى تركها معدات عسكرية ضخمة، مختلفة الأنواع من الأسلحة الصغيرة والمركبات التكتيكية إلى المسيّرات المتطورة وأنظمة الاتصالات، والتي وقعت في أيدي عناصر حركة طالبان. وأضاف: "تشير التقارير إلى أن هذه الترسانة بدأت تخرج من البلد، خصوصاً إلى اليمن، حيث يقال إن الحوثيين المتحالفين مع إيران حصلوا عليها". وذكر الموقع أن "هذا الأمر مقلق للغاية، إذ إن وجود مثل هذه الأسلحة المتقدمة في اليمن قد يؤدي إلى تغيير ميزان القوى، ما يمكّن الحوثيين من توسيع نطاق عملياتهم وشن هجمات أكثر فعالية. وعلاوة على ذلك، فإن إمكانية اكتشاف التكنولوجيا الحساسة في هذه الأسلحة من قبل جهات أجنبية، بما في ذلك إيران، يزيد خطر انتشارها حول العالم، معتبراً أن "الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية كبيرة عن مصير الأسلحة، وسط صمت ملحوظ في واشنطن حول عواقب تسرب هذه الأسلحة من أفغانستان".
"مودرن دبلوماسي": الترسانة الأميركية بدأت تخرج من أفغانستان خصوصاً إلى اليمن
وأشار الموقع إلى أن "باكستان تحدثت مراراً عن الخطر الذي تشكله الأسلحة ذات المنشأ الأميركي والتي حصلت عليها مجموعات إرهابية. وقد استعادت قواتها الأمنية مجموعة واسعة من الأسلحة الأميركية من الجماعات المسلحة، مثل حركة طالبان باكستان وجيش تحرير بلوشستان"، معتبراً أن "حيازة طالبان لهذه الأسلحة واحتمال الاتجار بها له آثار تتجاوز أفغانستان واليمن. إنه يؤثر على الأمن في المنطقة بأكملها".
وقالت مصادر عسكرية خاصة، لـ"العربي الجديد"، إن الحوثيين يملكون أسلحة متطورة موجهة، مثل "الكورنيت" الذي يستخدم ضد الآليات والمركبات العسكرية، ولا يعرف كيف حصلوا عليها وما إذا كانوا يملكون أسلحة أخرى أكثر تطوراً. ولم تستبعد المصادر وخبراء عسكريون في وزارة الدفاع اليمنية تحدثوا لـ"العربي الجديد"، إمكانية وصول الأسلحة الأميركية التي تركت في أفغانستان إلى الحوثيين، مشيرين إلى الحدود المشتركة بين أفغانستان وإيران التي تنقل الأسلحة إلى الحوثيين، وفقاً لقولهم، ومن دون استبعادهم أن تكون بينها تقنيات ورادارات وصواريخ حديثة طوّرها خبراء إيرانيون.
إدخال واشنطن أسلحة جديدة ضد الحوثيين
ولمواجهة التهديدات الحوثية، ذكر موقع "twz" (وور زون)، في تقرير، الاثنين الماضي، إن واشنطن أدخلت نوعاً جديداً من الطائرات والصواريخ والقنابل في عملية استهداف مواقع الحوثيين في اليمن، موضحاً أنها بدأت باستخدام مقاتلة من طراز "EA-18G GROWLER" المزودة بصواريخ من طراز "AGM-88E" لاستهداف الدفاعات الجوية للجماعة، مشيراً إلى أنه يصعب على الرادارات كشف مثل هذا النوع من المقاتلات. وأوضح أنه و"على الرغم من أن أنواع الرادارات وأجهزة الاستشعار التي يستخدمها الحوثيون لاكتشاف وتحديد الأهداف غير معروفة على نطاق واسع، إلا أنها تشكل تهديداً كبيراً بشكل واضح، خصوصاً أنها تسببت بخسائر فادحة في المسيرات من طراز "MQ-9". وكان موقع "Stars and Stripes" المتخصص بالشؤون العسكرية قد نقل خلال الشهر الماضي عن مسؤول دفاعي أميركي قوله إن الحوثيين أسقطوا 12 مسيّرة من هذا الطراز منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وأوضح موقع "twz" أن "القوات الأميركية تستهدف رادارات الحوثيين، بما في ذلك البحرية المخصصة لمراقبة السفن"، مشيراً إلى أنه يمكن لصواريخ "AARGMs" ملاحقة الرادارات حتى وإن لم تكن تعمل، وهو مؤشر إلى أن الدفاعات الجوية للحوثيين أكثر تقدماً مما يعتقده معظم الناس، وأنها لا تزال تشكل تهديداً للطائرات.
موقع "twz": واشنطن أدخلت نوعاً جديداً من الطائرات والقنابل في عملية استهداف مواقع الحوثيين
وذكر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الأميركي (IISS)، في تقرير نشر في العاشر من إبريل/ نيسان الحالي، أنه و"في حين أن الحوثيين قطعوا خطوات واسعة في تطوير وإنتاج الأسلحة محلياً، فإن ترسانتهم لا تزال تعتمد على الدعم الإيراني". وقال: "لا تزال هياكل قيادة الحوثيين وصنع القرار غامضة، ما يجعل من الصعب تقييم درجة النفوذ السياسي والتشغيلي الذي تمارسه إيران. ومع ذلك، فإن الطبيعة الموثقة جيداً نسبياً لترسانة صواريخ الحوثيين والمسيّرات المستخدمة في الهجمات ضد إسرائيل والسفن في البحر الأحمر وخليج عدن تكشف عن مدى الدعم الإيراني للحوثيين". وأضاف: "لدى إيران نمط قديم من نقل أنظمة الصواريخ والصواريخ الكاملة إلى شركاء غير حكوميين وأيضاً لتمكين هذه المجموعات من إنتاجها محلياً. وفي حالة الحوثيين، تقدم تحقيقات الأمم المتحدة لبقايا الصواريخ ومواد الوقود الأولية المُصادرة أدلة على أن إيران نقلت تكنولوجيا إنتاج الصواريخ لهم". وتابع: "من المحتمل أن يتم تصنيع بعض الصواريخ التي يصل مداها إلى 200 كيلومتر محلياً، على الرغم من أن المكونات الحيوية، بما في ذلك أنظمة التوجيه، ربما لا تزال تأتي من إيران. ومع ذلك، من شبه المؤكد أن إيران هي التي تزود الحوثيين بالصواريخ الباليستية المستخدمة في الضربات ضد إسرائيل". وتابع المعهد، في تقريره: "على الرغم من التقدم التدريجي في إنتاج الأسلحة المحلية، لا سيما المسيّرات والصواريخ المتوسطة المدى، لا يزال الحوثيون يعتمدون على إيران في التقنيات الرئيسية والقدرات المتقدمة".
في المقابل، شككت مجلة "فورين بوليسي"، في تقرير، الثلاثاء الماضي، في فعالية الضربات الأميركية ضد الحوثيين، مشيرة إلى أن العملية فشلت في تحقيق أي من هدفيها المعلنين: استعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر وإعادة الردع. وأشارت إلى ارتفاع منسوب الانتقادات والضغوط داخل أميركا على البيت الأبيض للكشف عن تكاليف العمليات ضد الحوثيين، وخصوصاً أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لا تقدم إحاطات إعلامية حول هذا الأمر، مكتفية بنشر مقاطع للغارات وعمليات إقلاع الطائرات عن حاملة الطائرات. وأشارت إلى أن "الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن وتيرة العمليات الأميركية تستنزف ذخائر دقيقة، يرى العديد من خبراء الدفاع أنه سيكون من الأفضل استخدامها في أي صراع مستقبلي مع الصين، وهذا مهم بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالمخزون المحدود من الصواريخ الموجهة التي تطلق من الجو والتي ستكون حاسمة لأي قتال على تايوان".

Related News
