كل هذا العار
Arab
2 hours ago
share

ما من عاقل يستطيع إنكار أن الاتحاد الأوروبي يتعامل مع الحرب على قطاع غزة وجرائم الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة بكثير من النفاق التاريخي والتواطؤ الممنهج. التجويع وتدمير المستشفيات والتصريحات العلنية عن نية الإبادة والتطهير العرقي، كلها انتهاكات صريحة لأبسط القيم والمبادئ التي تدّعي أوروبا الدفاع عنها، من القانون الدولي إلى مواثيق حقوق الإنسان.

تعرف أوروبا الرسمية تماماً أن ما يجري لا يمكن تبريره في أي سياق قانوني أو أخلاقي. ومع ذلك، تصمت أو تدعم، مباشرة أو ضمنياً، جرائم كانت لتدينها بشراسة لو ارتكبتها دولة غير الاحتلال الإسرائيلي. الأسوأ من الصمت هو القبول بمقايضة الحياة بالاستسلام: الغذاء والماء مقابل الخضوع، والدواء مقابل دفن العدالة. هذا ما ترضى به أوروبا، أو تشارك فيه، بصيغ دبلوماسية ناعمة تُخفي تواطؤاً فاضحاً.

وفي الضفة الغربية والقدس المحتلتين، حيث "حماس" ليست ذريعة، يستمر التدمير والقتل المنهجي، ويُطلَق المستوطنون لممارسة إرهابهم بحماية جيش الاحتلال، بينما يُعتقل الضحايا وتُحتجز جثامين الشهداء. ومع ذلك، تكتفي بعض الحكومات الأوروبية بشروط عبثية للاعتراف بحق الفلسطينيين في دولتهم، من قبيل: "إذا لم يتحسن الوضع الإنساني"، كما فعلت بريطانيا، التي لا تزال طائراتها فوق غزة تشارك في تحديد الأهداف. لكن، ورغم كل ذلك، فإن أوروبا ليست كتلة صمّاء. هناك دول وحركات تضامن ومواقف شعبية متقدمة، وأحياناً أكثر وضوحاً من بعض المواقف الرسمية العربية. التيار العام في عدد من البلدان الأوروبية يتغيّر، وأصوات المقاطعة تتنامى، والمطالب بفرض عقوبات ووقف اتفاقيات الشراكة مع الاحتلال الإسرائيلي تتصاعد.

ومع صور المجازر اليومية، وسقوط آلاف الضحايا، وتدمير البنية التحتية في قطاع غزة، تبرز أسئلة حتمية: أين هي الدبلوماسية العربية في الساحة الأوروبية؟ ما حجم الجهد الذي بُذل، سياسياً أو نقابياً، لتذكير أوروبا بمبادئها، إن لم يكن بالدم، فعلى الأقل من باب المصالح المتبادلة؟ بالمقارنة مع الحراك العربي في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، فإن الحصيلة اليوم تقترب من الصفر. تصريحات بلا أثر وحضور سياسي باهت، في لحظة تاريخية تتطلب أقل القليل من المواقف، حيث تنهار القيم والمبادئ العالمية تحت وطأة تحالفات فاشية وعنصرية. وكما العرب فإن أوروبا اليوم في اختبار أخلاقي وتاريخي. كل قطعة غيار تصدّرها لمقاتلات الاحتلال، وكل شحنة سلاح أو غطاء سياسي لجرائم الإبادة، ليست سوى صفحة جديدة في سجل العار، ذلك السجل الذي لن يُعفي أحداً، لا من صمت، ولا من اكتفى بالتنديد الخجول. فتقاعس الغرب لا يبرر هذا العجز العربي.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows