
الرشاد بـــــــــــــــــــــــــــرس ــــ دولــــــــــــــــــــــــــــــــــي
تعيش شبه القارة الهندية على وقع تصعيد خطير عقب الهجوم الدامي الذي استهدف عدداً من السياح في الجزء الذي تسيطر عليه الهند من إقليم كشمير المتنازع عليه، في واحدة من أعنف الهجمات التي تشهدها المنطقة منذ سنوات. وأسفر الهجوم عن مقتل العشرات ، وردّت نيودلهي سريعاً بشن غارات جوية استهدفت ما وصفتها بـ«معسكرات إرهابية» داخل الأراضي الباكستانية، في خطوة تُنذر بمزيد من التصعيد بين الجارتين النوويتين.
ووسط تبادل الاتهامات، حمّلت الهند باكستان مسؤولية الهجوم، واعتبرته عملاً إرهابياً منظماً، فيما نفت إسلام آباد ضلوعها فيه، محذّرة من أي اعتداء على أراضيها، ومتعهدة بالرد على أي تصعيد عسكري من الجانب الهندي.
توازن عسكري:
وفقاً لوكالة بلومبرغ، تمتلك الهند تفوقاً عددياً وميزانياً واضحاً في قوتها العسكرية، حيث يبلغ قوام جيشها نحو 1.475 مليون فرد، أي أكثر من ضعف نظيره الباكستاني. كما أن ميزانية الدفاع الهندية بلغت نحو 86 مليار دولار العام الماضي، ما يضعها ضمن الدول الخمس الأكثر إنفاقاً على التسلح عالمياً، بميزانية تفوق نظيرتها الباكستانية بما يزيد على ثمانية أضعاف.
ومع ذلك، فإن الطبيعة الجغرافية الوعرة لكشمير، والمناخ الجبلي المعقّد، يحدّان من فعالية التدخلات العسكرية المباشرة، كما أن على الهند أن توزّع قدراتها بين جبهتها الغربية مع باكستان والشرقية مع الصين، التي تخوض معها نزاعات حدودية في جبال الهيمالايا.
في المقابل، تركّز باكستان جزءاً كبيراً من مواردها العسكرية على حدودها الغربية مع أفغانستان، في ظل التهديدات الأمنية المتصاعدة العابرة للحدود. ويمثل تطوير تقنيات الاستطلاع والطائرات المسيّرة أولوية استراتيجية مشتركة لدى الطرفين.
سباق التسلّح النووي:
يُقدّر عدد الرؤوس النووية التي يمتلكها كل من البلدين بنحو 170 رأساً، وفق بيانات جمعية الحد من التسلّح. وتتبنى الهند سياسة “عدم البدء بالاستخدام النووي”، وتفتقر إلى الأسلحة النووية التكتيكية منخفضة القدرة. في المقابل، تحتفظ باكستان بـ”حق الاستخدام الأول”، وقد طورت صواريخ تكتيكية مثل “نصر” بمدى يصل إلى 70 كيلومتراً، ما يشير إلى استراتيجيتها الرامية إلى ردع التفوق العسكري الهندي التقليدي عبر القدرات النووية.
ويتسابق البلدان في تطوير وسائل إطلاق متعددة للرؤوس النووية، تشمل منصات برية وبحرية وجوية. وفي حين تمتلك الهند ميزة في مدى صواريخها الباليستية، مثل صاروخ “أغني-5” الذي يتراوح مداه بين 5,000 و8,000 كيلومتر، فإن باكستان تواصل تطوير صاروخ “شاهين-3″، الذي يُعتقد أن مداه يبلغ 2,750 كيلومتراً، وهو كافٍ لتغطية كامل الأراضي الهندية.
التحالفات والتسلّح:
تُعدّ كل من الهند وباكستان من كبار مستوردي السلاح عالمياً، لكن توجهاتهما الاستراتيجية تختلف. فبينما خفّضت الهند اعتمادها على روسيا في مجال التسليح من 76% خلال الفترة بين 2009 و2013 إلى 36% في الفترة بين 2019 و2023، ازدادت وارداتها من الولايات المتحدة، وفرنسا، ودول أوروبية أخرى، في إطار مساعيها لتحديث أنظمتها العسكرية.
أما باكستان، فقد عززت شراكتها الدفاعية مع الصين، التي أصبحت المورّد الرئيسي لها، حيث شكلت الأسلحة الصينية 82% من وارداتها بين عامي 2019 و2023، مقابل 51% في الفترة من 2009 إلى 2012، وفقاً لـ معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
ويشير الباحث سردار جهانزيب غالب، في ورقة بحثية صادرة عن معهد الدراسات الاستراتيجية في إسلام آباد، إلى أن تفاقم الفجوة العسكرية التقليدية مع الهند دفع باكستان إلى انتهاج استراتيجيات بديلة، أبرزها التعويل على الردع النووي كوسيلة لكبح الهيمنة العسكرية لجارتها الكبرى.
هل يفلت الصراع من عقاله؟
رغم الجهود الدبلوماسية المبذولة، بما في ذلك تدخل الولايات المتحدة لخفض حدة التوتر، تبقى الأوضاع مرشحة للتصعيد، في ظل الخطاب التصعيدي المتبادل، والضغوط السياسية الداخلية، خصوصاً في الهند. ومع استمرار التلويح بالقوة، وفي ظل وجود أسلحة نووية بيد الطرفين، يظل احتمال الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة، وإن كان غير مرجّح، مصدر قلق إقليمي ودولي كبير.
ويبقى السؤال الأبرز: هل تنجح الوساطات الدولية في تهدئة الوضع، أم أن كشمير ستظل الشرارة القابلة لإشعال صراع لا تُحمد عقباه؟
المصدر: الشرق الأوسط
Related News


