
عربي
على الرغم من تأجيل القمة الروسية العربية التي كان مزمعاً عقدها أمس الأربعاء، على خلفية تطورات اتفاق وقف الحرب على غزة، إلا أن زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع، التي كانت مقررة إلى موسكو للمشاركة فيها، بقيت على حالها، لتكون أول زيارة له إلى روسيا التي شكّلت داعماً رئيسياً للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد على مدى ربع قرن من حكمه، والتي فرّ إليها عقب إطاحته في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وسط إصرار من موسكو ودمشق على فتح صفحة جديدة في العلاقات الروسية السورية.
وجاءت تصريحات الشرع والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال استقبال الرئيس السوري في الكرملين أمس، لتؤكد على مرحلة من الانفتاح بين البلدين، مهدت إليها زيارات متبادلة من جهة، وحسابات استراتيجية من جهة ثانية، مبنية خصوصاً على مصالح البلدين بما فيها العسكرية. وكان الأبرز إعلان بوتين أن روسيا مستعدة لإنجاز المشاريع المشتركة مع سورية واستئناف عمل اللجنة الحكومية المشتركة بين البلدين، والتي كانت قيد المراجعة من دمشق، بعد إسقاط الأسد ضمن اتفاقيات ثنائية أخرى، في حين كان الرئيس السوري يؤكد من الكرملين أن سورية تسعى إلى ضبط علاقتها بروسيا، معرباً عن احترامه لكل الاتفاقيات معها.
ضبط العلاقات الروسية السورية
وقال الرئيس السوري، من الكرملين أمس، إن "سورية ستحاول إعادة ضبط علاقاتها مع روسيا"، مضيفاً: "نحاول أن نعيد ونعرِّف بشكل جديد طبيعة هذه العلاقات، على أن يكون هناك استقلال للحالة السورية والسيادة السورية وأيضاً سلامة ووحدة الأراضي واستقرارها الأمني". وشدد على أن "علاقات ثنائية ومصالح مشتركة تربطنا مع روسيا، ونحترم كل ما مضى من الاتفاقيات معها"، مضيفاً أن "جزءاً كبيراً من قطاع الطاقة في سورية يعتمد على الخبرات الروسية". وأوضح أن "هناك علاقات تاريخية طويلة تربط ما بين سورية وروسيا وعلاقات ثنائية ومصالح مشتركة"، معتبراً أن "كثيراً من العلاقات الاستراتيجية والسياسية سواء إقليمية ودولية مرتبطة مع روسيا".
بوتين: موسكو مستعدة لإجراء مشاورات منتظمة مع دمشق
أما بوتين، الذي وصف العلاقات الروسية السورية بأنها "علاقات صداقة"، فأعلن أن موسكو مستعدة لإنجاز المشاريع المشتركة مع سورية، مع استئناف اللجنة الحكومية المشتركة. وقال: "نحتفظ بعلاقات وثيقة مع الشعب السوري ونسعى إلى تطوير العلاقات مع دمشق، واللجنة الحكومية المشتركة بين روسيا وسورية ستستأنف عملها". ورحب بالشرع قائلاً "لدينا علاقات قوية مع سورية منذ أكثر من 80 عاماً"، موضحاً أنه "لم تكن لروسيا أي علاقات منوطة بالحالة السياسية أو المصالح الضيقة، وهي مرتبطة بالمصالح المتبادلة ومصلحة الشعب السوري". كما أعرب عن استعداد موسكو "لإجراء مشاورات منتظمة مع دمشق عبر وزارة الخارجية". وسبق بدء اللقاء نقل "فرانس برس" عن مصدر حكومي سوري قوله إن الشرع سيطلب خلال زيارته "تسليم كل من ارتكب جرائم حرب وموجود في روسيا وعلى رأسهم بشار الأسد". مع العلم أن الشرع قال، في مقابلته مع "سي بي أس" الأميركية الأحد الماضي، إن سورية ستستخدم الوسائل القانونية المتاحة للمطالبة بمحاسبة الأسد، مضيفاً: "لكن الانخراط في صراع مع روسيا في الوقت الحالي سيكون مكلفاً للغاية بالنسبة لسورية، مشدداً على أن "لن يكون ذلك في مصلحة البلاد".
وذكرت وكالة الأنباء السورية "سانا"، أمس، أن زيارة الشرع التي رافقه فيها وزيرا الخارجية أسعد الشيباني والدفاع مرهف أبو قصرة، تأتي "لإجراء مباحثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين حول العلاقات الثنائية بين البلدين والمستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك". من جهته ذكر الكرملين في بيان أن بوتين سيناقش عدة ملفات مع الشرع، من بينها مصير القاعدتين العسكريتين الروسيتين في سورية، وهما قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية وقاعدة بحرية في طرطوس. علماً أن لروسيا كذلك وجوداً عسكرياً في مطار القامشلي، أقصى الشمال الشرقي للبلاد، فضلاً عن مصالح اقتصادية ومصالح متعلقة بالطاقة في سورية ترغب في تأمينها. بالمقابل فإن دمشق لها مصلحة للحصول على ضمانات بأن روسيا لن تساعد في إعادة تسليح فلول قوات الأسد، وربما المساهمة في إعادة بناء الجيش السوري. والثابت من هذه المعادلة أن سورية بعد الأسد لا تتعامل بطريقة واحدة مع داعمي الأخير، لا سيما إيران، إذ لم تشهد العلاقات السورية الإيرانية انفتاحاً مثل العلاقات الروسية السورية. وبما يتعلق بإيران فعلى حد وصف الشرع في مقابلة أخيراً فإن "الجرح أعمق"، مقارناً ذلك حينها مع "حياد" روسيا إبان معركة "ردع العدوان" التي بدأت من شمال غرب سورية باتجاه دمشق.
زيارات تمهيدية
ووفق الخبير في الشأن الروسي، طه عبد الواحد، جاءت الزيارة "حصيلة اتصالات ثنائية على مختلف المستويات بدأت منذ الأسابيع الأولى لتحرير سورية من النظام البائد، والتي كانت آخرها الاتصالات خلال زيارة وفد عسكري سوري إلى روسيا (مطلع الشهر الحالي) والمحادثات التي أجراها مع قادة وزارة الدفاع الروسية". واعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "كل هذه الاتصالات كانت تمهيدية لعقد لقاء على مستوى الرئيسيين". وفي رأيه "لا شك بأن زيارة الشرع إلى موسكو حدث هام لاعتبارات عدة، أهمها أنها تشكل اعترافاً رسمياً من موسكو بالسلطات السورية الجديدة، وإمكانية أن تفتح الزيارة المجال أمام تعاون في مجالات عدة تسهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار في سورية".
طه عبد الواحد: بالنسبة لروسيا تبقى سورية منطقة اهتمام خاص نظراً لأهمية موقعها في جغرافيا المنطقة
يأتي ذلك، وفق عبد الواحد "سواء كان في مواجهة تحديات خارجية وفي مقدمتها الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، أو في ملفات داخلية شائكة مثل ملف السويداء"، معتبراً أنه "في كلتا الحالتين من شأن علاقات روسيا مع مختلف الأطراف أن يساهم في تسوية هذه القضايا". كما هناك، بحسب عبد الواحد، "أكثر من عامل يدفع موسكو ودمشق للحفاظ على العلاقات الثنائية، فبالنسبة لروسيا تبقى سورية منطقة اهتمام خاص نظراً لتاريخ طويل من العلاقات بين الدول، ولأهمية موقعها في جغرافيا المنطقة إن كان من الناحية العسكرية أو الناحية الاقتصادية". أما بالنسبة لدمشق فإن العلاقات الروسية السورية "ستشكل عاملاً مهماً في توازن السياسة الخارجية، فضلاً عن أهمية الأدوار التي قد تلعبها روسيا لصالح سورية عبر موقعها ضمن الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن".
وكان الرئيس السوري كشف في مقابلة مع الإخبارية السورية في 12 سبتمبر/ أيلول الماضي أن قوات "ردع العدوان" التي خاضت معركة إسقاط الأسد العام الماضي أجرت مفاوضات مع موسكو بعد وصولها إلى حماة، فيما تعهّد الطرفان بـ"التزامات" تم تنفيذها. وأوضح: "عندما وصلنا إلى حماة في معركة التحرير، جرت مفاوضات بيننا وبين روسيا، عند وصولنا إلى حمص، الروس في هذا الوقت ابتعدوا عن المعركة، يعني انسحبوا تماماً من المشهد العسكري". وتابع: "أما بالنسبة لإيران فالجرح أعمق". وأضاف حينها أن "سورية لديها ارتباطات في الطاقة ولديها ارتباطات في الغذاء والسلاح، لديها ارتباطات متعددة مع روسيا سابقاً، ورثناها نحن تلقائياً، فينبغي الحفاظ عليها وإدارتها بطريقة هادئة ورزينة"، معتبراً أن "روسيا دولة قوية ومن مصلحة سورية أن تكون لديها علاقات هادئة مع روسيا". وعقب سقوط الأسد، أديرت العلاقات الروسية السورية بحذر لتتطور لاحقاً بشكل تدريجي، عبر زيارات متبادلة لمسؤولي البلدين، فالعلم السوري الجديد رفع على مبنى السفارة السورية في موسكو في اليوم التالي من إسقاط الأسد، أي في التاسع من ديسمبر.
وفي مؤشر على اتمرار العلاقات الروسية السورية وتطورها تدريجياً، رفض المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، في 29 يناير/كانون الثاني الماضي، التعليق على تقارير إعلامية أفادت بأن القيادة السورية الجديدة طلبت من موسكو تسليم بشار الأسد مقابل احتفاظ روسيا بقواعدها العسكرية. واكتفى بالقول إن موسكو ستواصل الحوار مع السلطات السورية. وفي 12 فبراير/ شباط الماضي أجرى بوتين اتصالاً هاتفياً مع الشرع، هنأه فيه على توليه القيادة، مؤكداً على روابط الصداقة والتعاون بين الجانبين. كما بعث بوتين في 20 مارس/آذار رسالة رسمية إلى الشرع، أعرب فيها عن دعمه لجهوده في تحقيق الاستقرار داخل سورية. وخلال شهري فبراير ومارس الماضيين، صدرت سلسلة تصريحات وعقدت اجتماعات بين الجانبين تطرقت إلى دعم روسيا لجهود "المصالحة الوطنية" في سورية ومستقبل القواعد العسكرية الروسية. وإضافة إلى الملفات الداخلية، لروسيا حضور جيد أيضاً في المشهد الإقليمي لسورية، وخصوصاً العلاقة مع إسرائيل، وكان لها العديد من نقاط المراقبة قرب الحدود قبل سقوط النظام السابق. وفي 28 يوليو/ تموز الماضي، أجرى بوتين اتصالاً برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أكد فيه رفضه للتدخلات الإسرائيلية ومحاولات تقسيم سورية. في نهاية شهر يوليو الماضي، زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني موسكو والتقى نظيره سيرغي لافروف، حيث وُجّهت دعوة إلى أحمد الشرع لحضور القمة العربية–الروسية التي كانت مقررة في 15 الشهر الحالي.
لكن زيارة الشرع لموسكو ظلت قائمة في التاريخ نفسه. كما زار في اليوم نفسه موسكو وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة واجتمع مع نظيره الروسي أندريه بيلاوسوف لبحث قضايا التعاون العسكري، بما في ذلك مستقبل القواعد الروسية داخل سورية. وأعقب ذلك زيارة لرئيس الأركان السوري اللواء علي نور الدين النعسان. ورغم كثافة اللقاءات والتصريحات الإيجابية المتبادلة، إلا أن روسيا ما زالت تلتزم جانب الحذر في علاقاتها مع سورية، دون تقديم أي تعهدات عملية مثل تسليم بشار الأسد والمسؤولين والضباط الآخرين الذين وصلوا إلى روسيا، ومعهم كما يعتقد مئات ملايين الدولارات التي استولوا عليها من أموال الشعب السوري، أو شطب الديون الروسية على سورية والتي يمثل أغلبها مشتريات عسكرية للنظام السابق. كما أعلنت دمشق أنها لن تطبع عملتها الجديدة المقرر أن تطرح للتداول مع نهاية العام الحالي في روسيا كما جرت العادة، بل في ألمانيا والإمارات. كما ألغت دمشق عقد إدارة الميناء في طرطوس مع روسيا والذي وقع عام 2019 لمدة 49 عاماً، واستعاضت عنه بعقد مع شركة موانئ دبي العالمية بقيمة 800 مليون دولار.

أخبار ذات صلة.

اتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية في اليابان
العربي الجديد
منذ 10 دقائق