
عربي
انطلقت انتخابات التجديد النصفي للنقابة العامة لأطباء مصر وسط أجواء من الحذر والترقّب، صباح اليوم الجمعة، وذلك تحت إشراف قضائي كامل في مقار النقابات الفرعية بالمحافظات. وتهدف عملية التصويت هذه إلى اختيار نصف أعضاء مجلس النقابة العامة ومجالس النقابات الفرعية وممثلي القطاعات الجغرافية، علماً أنّها تستمرّ حتى الساعة الخامسة عصراً، ليُصار بعد ذلك إلى إغلاق الصناديق وبدء عمليات الفرز في حضور ممثّلي المرشحين، على أن تُعلَن النتائج الأولية في وقت لاحق من مساء اليوم.
وتأتي هذه الجولة الانتخابية في وقت دقيق تمرّ به نقابة الأطباء، إذ تتقاطع القضايا المهنية الملحّة، في مقدّمتها مشروع قانون المسؤولية الطبية، مع مشهد سياسي ونقابي يتّسم بالاستقطاب وتراجع الإقبال على العمل النقابي. يُذكر أنّ اللوائح المنظمة للعملية الانتخابية لا تشترط نصاباً محدداً لنجاح الاقتراع، بخلاف النصاب المطلوب لانعقاد الجمعية العمومية للنقابة.
وتشير البيانات الصادرة عن اللجنة العامة المشرفة على الانتخابات، برئاسة عمرو محمد علي، إلى أنّ التصويت متاح لأكثر من 270 ألف طبيب وطبيبة هذا العام، في حين يتنافس نحو 40 مرشحاً فقط على عشرة مقاعد في المجلس العام بعد حسم مقعدَين بالتزكية، الأمر الذي يعكس تقلّص المنافسة مقارنة بدورات سابقة. وتقوم المنافسة على 12 مقعداً تمثّل نصف مجلس النقابة العامة، منها ثلاثة مخصّصة لأطباء مصر الذين تجاوزت مدّة قيدهم في النقابة 15 عاماً، وثلاثة لمن تقلّ مدة قيدهم عن ذلك، إلى جانب ستّة مقاعد لممثلي القطاعات الجغرافية على مستوى البلاد.
وقد حُسم مقعدان بالتزكية، أحدهما في منطقة غرب الدلتا فاز به الطبيب محمد فريد، والآخر في منطقة جنوب الصعيد للطبيب مصطفى هاشم، لتتركّز المنافسة الفعلية على المقاعد العشرة المتبقية. وفي النقابات الفرعية، حُسم 28 مقعداً بالتزكية في محافظات مطروح والسويس والمنيا وشمال سيناء وجنوب سيناء والفيّوم، الأمر الذي أثار نقاشاً واسعاً حول محدودية الحراك النقابي وتراجع الحضور الشبابي في المنافسة الانتخابية.
وتدور المعركة الانتخابية، في مستواها العام، بين قائمتَين رئيسيّتَين هما "قائمة المستقبل" و"ائتلاف أطباء مصر"، وقد حرص كلّ فريق على إبراز وجوه مهنية ذات حضور نقابي واسع. وتضمّ قائمة المستقبل أطباء من أمثال جمال عميرة وياسر حلمي وأحمد الشربيني وخالد أمين زارع وأيمن سالم ومحمد فريد حمدي، فيما يبرز في صفوف "ائتلاف أطباء مصر" مرشحون من أمثال نادر حمادة وكامل فرج وإسحاق إبراهيم وعمر طلب وأحمد الطباخ ومحمد رجب عويس. وقد حرصت كلّ قائمة على تحقيق توازن بين الأطباء فوق السنّ ومن هم تحت السنّ لضمان تمثيل أوسع في داخل المجلس النقابي.
أمّا القضايا الكبرى التي تسيطر على خطاب المرشحين فلا تخرج عن حدود المطالب المزمنة للمهنة، يتصدّرها قانون المسؤولية الطبية الذي يثير انقساماً واسعاً في مصر بين مؤيّدين يرونه خطوة لحماية الطبيب من الملاحقة القانونية في حالات الخطأ المهني، وبين معارضين يعدّونه نصّاً مفرغاً من ضمانات حقيقية للأطباء ويخشون أن يُستخدَم لتقييد حرية الممارسة الطبية. كذلك تحضر قضايا تحسين الأجور وظروف العمل في داخل المستشفيات الحكومية ومواجهة ظاهرة هجرة أطباء مصر إلى الخارج، وهي ملفات تجعل من هذه الانتخابات اختباراً لمصداقية النقابة في الدفاع عن قواعدها.
وتشير تقارير إعلامية محلية في مصر إلى أنّ الإقبال في بداية هذا اليوم تراوح ما بين متوسّط وضعيف في عدد من المحافظات، ولا سيّما في الشرقية والبحيرة، في حين شهدت محافظات القاهرة والإسكندرية والجيزة حركةً انتخابية أكثر نشاطاً مع توافد الأطباء في ساعات الظهيرة. ويرى مراقبون أنّ نسبة المشاركة النهائية سوف تكون العامل الحاسم في تحديد موازين القوى بين القائمتَين الرئيسيّتَين، خصوصاً أنّ انخفاض الإقبال يصبّ غالباً في مصلحة التيارات الأكثر تنظيماً.
وعلى الرغم من الأجواء التنافسية الظاهرة، فإنّ كواليس الانتخابات تكشف عن تفاهمات وتحالفات مسبقة بين عدد من المرشحين على المستويَين العام والفرعي. وقد شهدت مرحلة التنازلات التي سبقت إغلاق باب الترشح تنافساً حاداً انتهى بانسحاب عدد من المرشحين لمصلحة تحالفات قائمة، الأمر الذي أدّى إلى تقليص المنافسة في عدد من الدوائر وتحويل أخرى إلى تزكية. كذلك حاولت القوائم الكبرى إحداث توازن بين الأطباء ذوي الخبرة الطويلة والوجوه الشابة، في محاولة لإعادة الثقة إلى الجسم النقابي الذي يعاني من انقسام مزمن وتراجع في مستوى التفاعل القاعدي.
وتُعَدّ هذه الانتخابات من أهمّ المحطات النقابية في السنوات الأخيرة، ليس لأنّها تحدّد شكل التمثيل المهني في إطار أكبر نقابة في مصر فحسب، بل لأنّها تحمل انعكاسات مباشرة على علاقة النقابة بالحكومة والبرلمان، خصوصاً في ظلّ الجدال الدائر حول التشريعات المنظمة للعمل الطبي والضمانات القانونية للأطباء. كذلك هي تُعَدّ مؤشراً إلى مدى قدرة النقابات المهنية في مصر على استعادة دورها التقليدي بوصفها جسراً ما بين الدولة والمجتمع المهني في ظلّ المتغيّرات السياسية والاجتماعية المتسارعة.
وبينما ينتظر أطباء مصر إعلان النتائج بعد ساعات، تبقى الأنظار معلّقة على ما إذا كانت هذه الجولة سوف تُعيد الحيوية إلى العمل النقابي أم أنّها سوف تكرّس حالة الجمود القائمة. ففوز أيّ من القائمتَين الكبريَين يعني ترجيح كفة رؤية معيّنة لمستقبل المهنة؛ إمّا نقابة منخرطة في التنسيق مع مؤسسات الدولة لتطبيق قانون المسؤولية الطبية، وإمّا نقابة أكثر استقلالاً تحاول إعادة التوازن بين حقوق الأطباء وواجباتهم.
في المحصّلة، تأتي انتخابات التجديد النصفي للنقابة العامة لأطباء مصر اختباراً مصغّراً لمستقبل المهنة في البلاد، بين طموح مهني يسعى إلى إصلاح حقيقي وواقع نقابي يتأرجح ما بين البيروقراطية والتجاذبات السياسية. وما سوف تسفر عنه صناديق الاقتراع اليوم سوف يحدّد ليس تشكيلة المجلس الجديد فحسب، بل كذلك ملامح العلاقة ما بين الأطباء والدولة في السنوات المقبلة.

أخبار ذات صلة.

حرية الصحافة في أميركا
العربي الجديد
منذ 14 دقيقة